كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ فِي الْفَلَاةِ تَضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ صَلَّاهَا لِتَنَاوُلِهِ الْجَمَاعَةَ وَالِانْفِرَادَ لَكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ الْوَاجِبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى صَلَاة الْفَرد وَصِفَتُهُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ زِيَادَةُ ثَوَابِ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ تُفْرَضُ الْمَسْأَلَةُ فِيمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ يَحْصُلُ لَهُ بِصَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَالتَّضْعِيفُ يَحْصُلُ بِصَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ عَلَى حَالِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ لَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِ الْإِعَادَةِ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الْجَمَاعَةِ إِذْ لَوْ أَعَادَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ زِيَادَةُ ثَوَابِ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَمِمَّا وَرَدَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ مَا أخرجه بن أبي شيبَة من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً قَالَ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى عَدَدِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ قَالَ نَعَمْ وَهَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ تَنْبِيهٌ سَقَطَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَثَبَتَ لِلْبَاقِينَ وَأَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَبْلَ حَدِيثِ عُمَرَ

[647] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ فِي جَمَاعَةٍ بِالتَّنْكِيرِ قَوْلُهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضِعْفًا كَذَا فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ فِيهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً بِتَأْوِيلِ الضِّعْفِ بِالدَّرَجَةِ أَوِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً تَزِيدُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَفِي السُّوقِ جَمَاعَةً وفرادى قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُقَابِلِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهِ مُنْفَرِدًا لَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى مُنْفَرِدًا قَالَ وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ عَمَّنِ اسْتَشْكَلَ تَسْوِيَةَ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ التَّسْوِيَةُ الْمَذْكُورَةُ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنِ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَفْضُولِيَّةِ عَنِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ مِنَ الْآخَرِ وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كَوْنَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً فِي الْبَيْتِ أَوِ السُّوقِ لَا فَضْلَ فِيهَا عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّضْعِيفَ الْمَذْكُورَ مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ فِي الْبَيْتِ مُطْلَقًا أَوْلَى مِنْهَا فِي السُّوقِ لِمَا وَرَدَ مِنْ كَوْنِ الْأَسْوَاقِ مَوْضِعَ الشَّيَاطِينِ وَالصَّلَاةُ جَمَاعَةٌ فِي الْبَيْتِ وَفِي السُّوقِ أَوْلَى مِنَ الِانْفِرَادِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَصْرُ التَّضْعِيفِ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عَلَى التَّجْمِيعِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْعَامِّ مَعَ تَقْرِيرِ الْفَضْلِ فِي غَيْرِهِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَوْسٍ الْمَعَافِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَرَأَيْتَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَالَ حَسَنٌ جَمِيلٌ قَالَ فَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ عَشِيرَتِهِ قَالَ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً قَالَ فَإِنْ مَشَى إِلَى مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَصَلَّى فِيهِ قَالَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ انْتَهَى وَأَخْرَجَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ وَخُصَّ الْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ بِمَسْجِدِ الْقَبَائِلِ قَالَ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ أَيِ الْجُمُعَةُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ عِلَّةٌ لِلتَّضْعِيفِ الْمَذْكُورِ إِذِ التَّقْدِيرُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ التَّضْعِيفُ الْمَذْكُورُ سَبَبُهُ كَيْتُ وَكَيْتُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا رُتِّبَ عَلَى مَوْضُوعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَا يُوجَدُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا إِلَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إِلْغَاءِ مَا لَيْسَ مُعْتَبَرًا أَوْ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى فَالْأَخْذُ بِهَا

الصفحة 135