كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

عَلَى نَفْسِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا السُّكْنَى بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ لِلْفَضْلِ الَّذِي عَلِمُوهُ مِنْهُ فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَلْ رَجَّحَ دَرْءَ الْمَفْسَدَةِ بِإِخْلَائِهِمْ جَوَانِبَ الْمَدِينَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ فِي التَّرَدُّدِ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنَ الْفَضْلِ مَا يَقُومُ مَقَامَ السُّكْنَى بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَتْ دَارُهُ قَرِيبَةً مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَارَبَ الْخُطَا بِحَيْثُ تُسَاوِي خُطًا مِنْ دَارِهِ بَعِيدَةً هَلْ يُسَاوِيهِ فِي الْفَضْلِ أَوْ لَا وَإِلَى الْمُسَاوَاة جنح الطَّبَرِيّ وروى بن أبي شييبة مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ قَالَ مَشَيْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَارَبَ بَيْنَ الْخُطَا وَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ تَكْثُرَ خُطَانَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي كَثْرَةِ الْخَطَّا فَضِيلَةً لِأَنَّ ثَوَابَ الْخُطَا الشَّاقَّةِ لَيْسَ كَثَوَابِ الْخُطَا السَّهْلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَاضِي قَبْلَ بَابٍ حَيْثُ جَعَلَ أَبْعَدَهُمْ مَمْشًى أَعْظَمَهُمْ أَجْرًا وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمُ اسْتِحْبَابَ قَصْدِ الْمَسْجِدِ الْبَعِيدِ وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِهِ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَعِيدِ هَجْرُ الْقَرِيبِ وَإِلَّا فَإِحْيَاؤُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ أَوْلَى وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي الْبَعِيدِ مَانِعٌ مِنَ الْكَمَالِ كَأَنْ يَكُونَ إِمَامُهُ مبتدعا

(قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ)
أَوْرَدَ فِيهِ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى فَضْلِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ إِثْبَاتُ أَفْضَلِيَّتِهَا على غَيرهَا وَالظَّاهِر الثَّانِي وَوَجهه أَن الْفَجْرِ ثَبَتَتْ أَفْضَلِيَّتُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَسَوَّى فِي هَذَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَمُسَاوِي الْأَفْضَلِ يَكُونُ أَفْضَلَ جَزْمًا

[657] قَوْلُهُ لَيْسَ أَثْقَلَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ الِاسْمِ وَبَيَّنَهُ الْكُشْمِيهَنِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا ثَقِيلَةٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وهم كسَالَى وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ أَثْقَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِمَا لِقُوَّةِ الدَّاعِي إِلَى تَرْكِهِمَا لِأَنَّ الْعِشَاءَ وَقْتُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ وَالصُّبْحُ وَقْتُ لَذَّةِ النَّوْمِ وَقِيلَ وَجْهُهُ كَوْنُ الْمُؤْمِنِينَ يَفُوزُونَ بِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَضْلِ لِقِيَامِهِمْ بِحَقِّهِمَا دُونَ الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا أَيْ مِنْ مَزِيدِ الْفَضْلِ لَأَتَوْهُمَا أَيِ الصَّلَاتَيْنِ وَالْمُرَادُ لَأَتَوْا إِلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يُصَلَّيَانِ فِيهِ جَمَاعَةً وَهُوَ الْمَسْجِدُ قَوْلُهُ وَلَوْ حَبْوًا أَيْ يَزْحَفُونَ إِذَا مَنَعَهُمْ مَانِعٌ مِنَ الْمَشْيِ كَمَا يَزْحَفُ الصَّغِيرُ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الْمَرَافِقِ وَالرُّكَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَاقِي الْحَدِيثِ فِي بَابِ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَفْظِ بَعْدُ ضِدِّ قَبْلُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَمَعْنَاهُ بَعْدَ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ إِلَيْهَا أَوْ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَهُ التَّهْدِيدُ الْمَذْكُورُ وَلِلكُشْمِيهَنِيِّ بَدَلَهَا يَقْدِرُ أَيْ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَجِيءِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَلَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّاودِيّ الشَّارِح هُنَا لَا لِعُذْرٍ وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ غَيْرِهَا لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَات عِنْد غَيره

الصفحة 141