كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رَفَعَهُ أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِلُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهِ قَوْلُهُ وَشَابٌّ خَصَّ الشَّابَّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْبَاعِثِ عَلَى مُتَابَعَةِ الْهَوَى فَإِنَّ مُلَازَمَةَ الْعِبَادَةِ مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلُّ عَلَى غَلَبَةِ التَّقْوَى قَوْلُهُ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَهُمَا بِمَعْنًى زَادَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَفْنَى شَبَابَهُ وَنَشَاطَهُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ قَوْلُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ هَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنَ التَّعْلِيقِ كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْقِنْدِيلِ مَثَلًا إِشَارَةً إِلَى طُولِ الْمُلَازَمَةِ بِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ جَسَدُهُ خَارِجًا عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْجَوْزَقِيِّ كَأَنَّمَا قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحُبِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ وَكَذَا رِوَايَةُ سَلْمَانَ مِنْ حُبِّهَا وَزَادَ الْحَمَوِيُّ وَالْمُسْتَمْلِي مُتَعَلِّقٌ بِزِيَادَةِ مُثَنَّاةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ زَادَ سَلْمَانُ مِنْ حُبِّهَا وَزَادَ مَالِكٌ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلرُّكْنِ الثَّانِي مِنَ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ فَضْلُ الْمَسَاجِدِ ظَاهِرَةٌ وَلِلْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمُلَازَمَةِ لِلْمَسْجِدِ وَاسْتِمْرَارِ الْكَوْنِ فِيهِ بِالْقَلْبِ وَإِنْ عَرَضَ لِلْجَسَدِ عَارِضٌ قَوْلُهُ تَحَابَّا بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَأَصْلُهُ تَحَابَبَا أَيِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْمَحَبَّةِ وَأَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ حَقِيقَةً لَا إِظْهَارًا فَقَطْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَرَجُلَانِ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ فَصَدَرَا عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ قَوْلُهُ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ أَيْ عَلَى الْحُبِّ الْمَذْكُورِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا دَامَا عَلَى الْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ وَلَمْ يَقْطَعَاهَا بِعَارِضٍ دُنْيَوِيٍّ سَوَاءٌ اجْتَمَعَا حَقِيقَةً أَمْ لَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ وَوَقَعَ فِي الْجَمْعِ لِلْحُمَيْدِيِّ اجْتَمَعَا عَلَى خَيْرٍ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْمُسْتَخْرَجَاتِ وَهِيَ عِنْدِي تَحْرِيفٌ تَنْبِيهٌ عُدَّتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَاحِدَةً مَعَ أَنَّ مُتَعَاطِيهَا اثْنَانِ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاثْنَيْنِ أَوْ لَمَّا كَانَ الْمُتَحَابَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ عَدُّ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ عَدِّ الْآخَرِ لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدُّ الْخِصَالِ لَا عَدُّ جَمِيعِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا قَوْلُهُ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ ذَاتُ مَنْصِبٍ بَيَّنَ الْمَحْذُوفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ فَقَالَ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَلِمُسْلِمٍ وَهُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْحُدُود عَن بن الْمُبَارَكِ وَالْمُرَادُ بِالْمَنْصِبِ الْأَصْلُ أَوِ الشَّرَفُ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى الْمَالِ أَيْضًا وَقَدْ وَصَفَهَا بِأَكْمَلِ الْأَوْصَافِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِمَزِيدِ الرَّغْبَةِ لِمَنْ تَحْصُلُ فِيهِ وَهُوَ الْمَنْصِبُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ الْجَاهُ وَالْمَالُ مَعَ الْجَمَالِ وَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِعُ ذَلِك فِيهَا من النِّسَاء زَاد بن الْمُبَارَكِ إِلَى نَفْسِهَا وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى الْفَاحِشَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ دَعَتْهُ إِلَى التَّزَوُّجِ بِهَا فَخَافَ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنِ الْعِبَادَةِ بِالِافْتِتَانِ بِهَا أَوْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ بِحَقِّهَا لِشُغْلِهِ بِالْعِبَادَةِ عَنِ التَّكَسُّبِ بِمَا يَلِيقُ بِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ وُجُودُ الْكِنَايَةِ فِي قَوْلِهِ إِلَى نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّزْوِيجُ لَصَرَّحَ بِهِ وَالصَّبْرُ عَنِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِي مِثْلِهَا وَعُسْرِ تَحْصِيلِهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَغْنَتْ مِنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا بِمُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ إِمَّا

الصفحة 145