كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يُخَرِّجْهُ وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ صَحِيحًا ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَأَخْرَجَ فِي الْبَابِ مَا يُغْنِي عَنْهُ لَكِنَّ حَدِيثَ التَّرْجَمَةِ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا وَحَدِيثُ الْبَابِ يَخْتَصُّ بِالصُّبْحِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ اللَّامُ فِي حَدِيثِ التَّرْجَمَةِ عَهْدِيَّةٌ فَيَتَّفِقَانِ هَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَاحِدٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ قَوْلُهُ إِذَا أُقِيمَتْ أَيْ إِذَا شُرِعَ فِي الْإِقَامَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِيمَا أخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُ فَلَا صَلَاةَ أَيْ صَحِيحَةً أَوْ كَامِلَةً وَالتَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقْطَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْمُصَلِّي وَاقْتَصَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ فَلَا تُصَلُّوا حِينَئِذٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا فِي نَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ وَنَهَى أَنْ يُصَلِّيَا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَوَرَدَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ أَيْضًا فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ من وَجه آخر عَن بن بُحَيْنَةَ فِي قِصَّتِهِ هَذِهِ فَقَالَ لَا تَجْعَلُوا هَذِهِ الصَّلَاةَ مِثْلَ الظُّهْرِ وَاجْعَلُوا بَيْنَهُمَا فَصْلًا وَالنَّهْيُ الْمَذْكُورُ لِلتَّنْزِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ قَوْلُهُ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ فِيهِ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَفْرُوضَةُ وَزَادَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا رَكْعَتي الْفجْر أخرجه بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ نَصْرِ بْنِ الْحَاجِبِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَالْمَفْرُوضَةُ تَشْمَلُ الْحَاضِرَةَ وَالْفَائِتَةَ لَكِنَّ الْمُرَادَ الْحَاضِرَةُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ قَوْلُهُ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ لَمْ يَسُقِ الْبُخَارِيُّ لَفْظَ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بَلْ تَحَوَّلَ إِلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا مُتَوَافِقَتَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَاقَ مُسْلِمٌ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا بِهِ نَقُولُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ لِي يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا فَفِي هَذَا السِّيَاقِ مُخَالَفَةٌ لِسِيَاقِ شُعْبَةَ فِي كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَلَّمَهُ أَوَّلًا سِرًّا فَلِهَذَا احْتَاجُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ ثَانِيًا جَهْرًا فَسَمِعُوهُ وَفَائِدَةُ التَّكْرَارِ تَأْكِيدُ الْإِنْكَار

[663] قَوْله حَدثنِي عبد الرَّحْمَن هُوَ بن بشر بن الحكم كَمَا جزم بِهِ بن عَسَاكِرَ وَأَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ مِنَ الْأَسْدِ بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ بَدَلَ الزَّايِ السَّاكِنَةِ وَهِيَ لُغَة صَحِيحَة قَوْله يُقَال لَهُ مَالك بن بُحَيْنَةَ هَكَذَا يَقُولُ شُعْبَةُ فِي هَذَا الصَّحَابِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَوَانَةَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَكَمَ الْحُفَّاظُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ والإسماعيلي وبن الشَّرْقِي وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَآخَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْوَهْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بُحَيْنَةَ وَالِدَةُ عَبْدِ اللَّهِ لَا مَالِكٍ وَثَانِيهُمَا أَنَّ الصُّحْبَةَ وَالرِّوَايَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ لَا لِمَالِكٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْقِشْبِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ جُنْدُبُ بن نَضْلَة بن عبد الله قَالَ بن سَعْدٍ قَدِمَ مَالِكُ بْنُ الْقِشْبِ مَكَّةَ يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَحَالَفَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَتَزَوَّجَ بُحَيْنَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ

الصفحة 149