كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

وَاسْمُهَا عَبْدَةُ وَبُحَيْنَةُ لَقَبٌ وَأَدْرَكَتْ بُحَيْنَةُ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ وَصَحِبَتْ وَأَسْلَمَ ابْنُهَا عَبْدُ اللَّهِ قَدِيمًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مَالِكًا فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا بَعْضٌ مِمَّنْ تَلَقَّاهُ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ مِمَّنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَكَذَا أَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ فَقَالَ هَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يَضُرُّ فَأَيُّ الرَّجُلَيْنِ كَانَ فَهُوَ صَاحب وَحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا فِي بُحَيْنَةَ هَلْ هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أُمُّ مَالِكٍ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَن يكْتب بن بُحَيْنَةَ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَيُعْرَبَ إِعْرَابُ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا فِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ رَأَى رَجُلًا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الرَّاوِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ خرج وبن القشب يُصَلِّي وَوَقع لبَعض الروَاة هُنَا بن أَبِي الْقِشْبِ وَهُوَ خَطَأٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَوَقَعَ نَحْوُ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا لِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبعا أخرجه بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ لَاثَ بِمُثَلَّثَةٍ خَفِيفَةٍ أَيْ أَدَارَ وَأَحَاطَ قَالَ بن قُتَيْبَةَ أَصْلُ اللَّوْثِ الطَّيُّ يُقَالُ لَاثَ عِمَامَتَهُ إِذَا أَدَارَهَا قَوْلُهُ بِهِ النَّاسُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ طَرِيقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لِلرَّجُلِ قَوْلُهُ آلصُّبْحَ أَرْبَعًا بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ قَصْرُهَا وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَأَعَادَهُ تَأْكِيدًا لِلْإِنْكَارِ وَالصُّبْحُ بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَرْبَعًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ قَالَهُ بن مَالِكٍ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ قَالَ وَيَجُوزُ رَفْعُ الصُّبْحِ أَيِ الصُّبْحُ تُصَلِّي أَرْبَعًا وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ هَذَا الْإِنْكَارِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَيُظَنَّ وُجُوبُهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ يُوشِكُ أَحَدُكُمْ وَعَلَى هَذَا إِذَا حَصَلَ الْأَمْنُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِعُمُومِ حَدِيثِ التَّرْجَمَةِ وَقِيلَ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ صَلَاةُ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْفَرِيضَةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَشْرَعُ فِيهَا عَقِبَ شُرُوعِ الْإِمَامِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى مِنَ التَّشَاغُلِ بِالنَّافِلَةِ اه وَهَذَا يَلِيقُ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى بِقَضَاءِ النَّافِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمِنْ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرَى بِذَلِكَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرَةِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّشَاغُلُ بِالنَّافِلَةِ بِشَرْطِ الْأَمْنِ مِنَ الِالْتِبَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَالثَّانِي عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَهُم فِي ذَلِك سلف عَن بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا تَعَارَضَ عِنْدَهُمُ الْأَمْرُ بِتَحْصِيلِ النَّافِلَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ إِيقَاعِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَمَعُوا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِذَلِكَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ عَدَمُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَا وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الطَّحَاوِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَو كَانَ فِي زَاوِيَة من الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذُكِرَ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ لَمْ يَحْصُلْ إِنْكَارٌ أَصْلًا لِأَنَّ بن بُحَيْنَةَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ قَطْعًا ثُمَّ دَخَلَ فِي الْفَرْضِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَضَاءَهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُتَّصِلًا بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَى بن بُحَيْنَةَ إِنَّمَا كَانَ لِلتَّنَفُّلِ حَالَ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ التَّرْجَمَةِ وَقَدْ فَهِمَ بن عُمَرَ اخْتِصَاصَ الْمَنْعِ بِمَنْ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا خَارِجًا عَنْهُ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ الْإِقَامَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى مَعَ الْإِمَامِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ السُّنَّةُ فَمَنْ أَدْلَى بِهَا فَقَدْ أَفْلَحَ وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَتَدَارُكُهَا بَعْدَ

الصفحة 150