كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ)
قَالَ بن التِّين تبعا لِابْنِ بطال معنى الْحَد هَا هُنَا الْحِدَّةُ وَقَدْ نَقَلَهُ الْكِسَائِيُّ وَمِثْلُهُ قَوْلُ عُمَرَ فِي أَبِي بَكْرٍ كُنْتُ أَرَى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ أَيِ الْحِدَّةِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الحض على شُهُود الْجَمَاعَة قَالَ بن التِّينِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُنَا جِدٌّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَمْرِ لَكِنْ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا رَوَاهُ بِالْجِيمِ انْتَهَى وَقَدْ أَثْبَتَ بن قرقول رِوَايَة الْجِيم وَعَزاهَا للقابسى وَقَالَ بن رَشِيدٍ إِنَّمَا الْمَعْنَى مَا يُحَدُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْحَدَّ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ شُهُودُهَا وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ خُرُوجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ مَنْ بَلَغَ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ تَكَلُّفُ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَةِ إِلَّا إِذَا وَجَدَ مَنْ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَقَعَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ ياب الْحَدِّ الَّذِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ فِي شُهُودِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا

[664] قَوْلُهُ مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُبَيَّنًا فِي آخِرِ الْمَغَازِي فِي سَبَبِهِ وَوَقْتِ ابْتِدَائِهِ وَقَدْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَنِ اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَاسْتَقَرَّ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ قَوْلُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ هِيَ الْعِشَاءُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ الْآتِيَةِ قَرِيبًا فِي بَابِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فَأُذِّنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأُذِّنَ بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْجَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ أَذَانُ الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أُعْلِمَ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ الْآتِيَةُ فِي بَابُ الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَلَفْظُهُ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الْمُبْهم وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة مُوسَى بن أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالسُّؤَالِ عَنْ حُضُورِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهَا فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ آمِرًا بِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْمَعْنَى بَلِّغُوا أَبَا بَكْرٍ أَنِّي أَمَرْتُهُ وَفَصْلُ النِّزَاعِ أَنَّ النَّافِيَ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً فَمُسَلَّمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَمْرٍ لِلثَّانِي وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فَمَرْدُودٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهُ

الصفحة 152