كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

قَائِلُ ذَلِكَ عَائِشَةُ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ أَسِيفٌ بِوَزْنِ فَعِيلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنَ الْأَسَفِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحُزْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَقِيقُ الْقَلْبِ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَاصِمٌ وَالْأَسِيفُ الرَّقِيقُ الرَّحِيمُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ سِتَّة أَبْوَاب من حَدِيث بن عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى نَحْوُهُ وَمِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا بِلَفْظِ قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ قَوْلُهُ فَأَعَادُوا لَهُ أَيْ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَالْمُخَاطِبُ بِذَلِكَ عَائِشَةُ كَمَا تَرَى لَكِنْ جَمْعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَقَامِ الْمُوَافِقِينَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِالْإِفْرَادِ وَلَفْظُهُ فَعَادَتْ وَلِابْنِ عُمَرَ فَعَاوَدَتْهُ قَوْلُهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فِيهِ حَذْفٌ بَيَّنَهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمُذَكُورَةِ وَأَنَّ الْمُخَاطِبَ لَهُ حِينَئِذٍ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بِأَمْرِ عَائِشَةَ وَفِيهِ أَيْضًا فَمُرْ عُمَرَ فَقَالَ مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ وَصَوَاحِبُ جَمْعُ صَاحِبَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُنَّ مِثْلُ صَوَاحِبِ يُوسُفَ فِي إِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ وَهِيَ عَائِشَةُ فَقَطْ كَمَا أَنَّ صَوَاحِبَ صِيغَةُ جَمْعٍ وَالْمُرَادُ زُلَيْخَا فَقَطْ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ زُلَيْخَا اسْتَدْعَتِ النِّسْوَةَ وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَامَ بِالضِّيَافَةِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْنِ يُوسُفَ وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّتِهِ وَأَنَّ عَائِشَةَ أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَبَ إِرَادَتِهَا صَرْفَ الْإِمَامَةِ عَنْ أَبِيهَا كَوْنُهُ لَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَةَ لِبُكَائِهِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ وَقَدْ صَرَّحَتْ هِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي بَابِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرُ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ مَنْ قَالَ إِنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُنَّ إِظْهَارٌ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَاطِنِ وَوَقع فِي مُرْسل الْحسن عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُكَلِّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ عَنْهُ فَأَرَادَتِ التَّوَصُّلَ إِلَى ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ فَلَمْ يَتِمَّ وَوَقَعَ فِي أمالى بن عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ النِّسْوَةَ أَتَيْنَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ يُظْهِرْنَ تَعْنِيفَهَا وَمَقْصُودُهُنَّ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَدْعُونَ يُوسُفَ إِلَى أَنْفُسِهِنَّ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَا يُسَاعِدُ مَا قَالَ فَائِدَةٌ زَادَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُشِيرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَأْمُرَ عُمَرَ بِالصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ الدَّوْرَقِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا وَمِثْلُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنَّمَا قَالَتْ حَفْصَةُ ذَلِك لِأَن كَلَامهَا صَادف الْمرة الثَّالِثَة من الْمُعَاوَدَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلَمَّا أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ كَوْنِهِنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ وَجَدَتْ حَفْصَةُ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي أَمَرَتْهَا بِذَلِكَ وَلَعَلَّهَا تَذَكَّرَتْ مَا وَقَعَ لَهَا مَعَهَا أَيْضًا فِي قِصَّةِ الْمَغَافِيرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ قَوْلُهُ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِلنَّاسِ قَوْلُهُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ الْمَذْكُورَةِ وَلَفْظُهُ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ أَيْ بِلَالٌ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْلَمَ بِحُضُورِ الصَّلَاةِ فَأُجِيبَ بِذَلِكَ وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا فَقَالَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ انْتَهَى وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا أَرَادَتْ عَائِشَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوَاضُعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَهُ لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ كَوْنُهُ رَقِيقَ الْقَلْبِ كَثِيرَ الْبُكَاءِ فَخَشِيَ أَنْ

الصفحة 153