كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ وَأَنَّ أَمْرَهُ إِيَّاهُ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْإِمَامَةِ مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ لَهُ وَالتَّنْوِيهِ بِقَدْرِهِ فَسَلَكَ هُوَ طَرِيقَ الْأَدَبِ وَالتَّوَاضُعِ وَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ احْتِمَالُ نُزُولِ الْوَحْيِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ لِتَغْيِيرِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهَا وَكَأَنَّهُ لِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَتَعَقَّبْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِذَارَهُ بِرَدٍّ عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ وَفِيهِ سُؤَالُ الرَّئِيسِ عَنْ سَبَبِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ قَبْلَ الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَفِيهِ إِكْرَامُ الْكَبِيرِ بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْكُنْيَةِ وَاعْتِمَادُ ذِكْرِ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُشْعِرُ بِالتَّوَاضُعِ مِنْ جِهَةِ اسْتِعْمَالِ أَبِي بَكْرٍ خِطَابَ الْغَيْبَةِ مَكَانَ الْحُضُورِ إِذْ كَانَ حَدُّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِي فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى قَوْلِهِ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى التَّوَاضُعِ مِنَ الْأَوَّلِ وَفِيهِ جَوَازُ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ لِتَأَخُّرِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مَقَامِهِ إِلَى الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ وَأَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقبْلَة وَلَا ينحرف عَنْهَا واستنبط بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْهُ جَوَازَ الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ إِذَا جَازَ جَازَتِ التِّلَاوَةُ مِنْ بَاب الأولى وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعَ مَا سَأُبَيِّنُهُ مِنْ زِيَادَةٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا الْحَدِيثَ وَمَدَارُهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْهُ وَلَيْسَا جَمِيعًا من شَرط البُخَارِيّ وَقد نقل بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ شُعْبَةَ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَكِنْ هُوَ فِي الْجُمْلَةِ يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ عَلَّقَ مِنْهُ طَرَفًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ كَمَا سَيَأْتِي وَاسْتَعْمَلَهُ هُنَا فِي التَّرْجَمَةِ وَأَوْرَدَ فِي الْبَابِ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَهُوَ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِاسْتِوَاءِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَجَابَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ تَسَاوِيَ هِجْرَتِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ وَغَرَضِهِمْ بِهَا مَعَ مَا فِي الشَّبَابِ غَالِبًا مِنَ الْفَهْمِ ثُمَّ تَوَجُّهُ الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ بِأَنْ يَعْلَمُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ دَالٌّ عَلَى اسْتِوَائِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْعِلْمِ انْتَهَى وأظن فىهذه الرِّوَايَة إدراجا فَإِن بن خُزَيْمَةَ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ فَأَيْنَ الْقِرَاءَةُ قَالَ إِنَّهُمَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ الْحَذَّاءُ وَكَانَا مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدَ أَبِي قِلَابَةَ فِي ذَلِكَ هُوَ إِخْبَارُ
الصفحة 170