كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ قِطْعَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْآتِي فِي الْبَابِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّ الِائْتِمَامَ يَقْتَضِي مُتَابَعَةَ الْمَأْمُومِ لِإِمَامِهِ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَتَنْتِفِي الْمُقَارَنَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا صَدَّرَ الْمُصَنِّفُ الْبَابَ بِقَوْلِهِ وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَهُوَ جَالِسٌ أَيْ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْجُلُوسِ كَمَا سَيَأْتِي فَدَلَّ عَلَى دُخُولِ التَّخْصِيصِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ بن مَسْعُود الخ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ وَلَفْظُهُ لَا تُبَادِرُوا أَئِمَّتَكُمْ بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَإِذَا رَفَعَ أَحَدُكُمْ رَأْسَهُ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ فَلْيَسْجُدْ ثُمَّ لْيَمْكُثْ قَدْرَ مَا سَبَقَهُ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَمِنْ قَوْلِهِ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن عمر نَحْو قَول بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ أَيُّمَا رَجُلٍ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَلْيَضَعْ رَأْسَهُ بِقَدْرِ رَفْعِهِ إِيَّاهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِذَا كَانَ الرَّافِعُ الْمَذْكُورُ يُؤْمَرُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ الْقَدْرِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ عَنِ الْإِمَامِ فَأَوْلَى أَنْ يَتَّبِعَهُ فِي جُمْلَةِ السُّجُودِ فَلَا يَسْجُدُ حَتَّى يَسْجُدَ وَظَهَرَتْ بِهَذَا مُنَاسَبَةُ هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة قَوْله وَقَالَ الْحَسَنُ إِلَخْ فِيهِ فَرْعَانِ أَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فوصله بن الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ وَلَفْظُهُ فِي الرَّجُلِ يَرْكَعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَزْحَمُهُ النَّاسُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ قَالَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ صَلَاتِهِمْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِرَكْعَتِهِ الْأُولَى ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ الْأَرْكَانَ فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ مَعَهُ لَمْ تَصِحَّ لَهُ الرَّكْعَةُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنِ الْإِمَامِ لَمْ يَسْتَمِرَّ مُتَابِعًا فِي صَلَاتِهِ الَّتِي اخْتَلَّ بَعْضُ أَرْكَانهَا حَتَّى يحْتَاج إِلَى تَدَارُكه بعد الإِمَام وَأما الْفَرْع الثَّانِي فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ وَلَفْظُهُ فِي رَجُلٍ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى كَانَ آخِرَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنْ ذَكَرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ فِي بَابِ حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا مُنَاسَبَتَهُ لِلتَّرْجَمَةِ قَبْلُ
[687] وَقَوْلُهُ فِيهِ ضَعُونِي مَاءً كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ بِالنُّونِ وَلِلْبَاقِينَ ضَعُوا لِي وَهُوَ أَوْجَهُ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى تَضْمِينِ الْوَضْعِ مَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ ضَعُونِي فِي مَاءٍ وَالْمُخَضَّبُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الْوُضُوءِ وَأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي اغْتَسَلَ بِهِ كَانَ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ وَذَكَرْتُ حِكْمَةَ ذَلِكَ هُنَاكَ قَوْلُهُ فَذهب فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ بِضَمِّ النُّونِ بَعْدَهَا مَدَّةٌ أَيْ لِيَنْهَضَ بِجُهْدٍ قَوْلُهُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ جَائِزٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّوْمِ قَالَ النَّوَوِيُّ جَازَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ نَقْصٌ قَوْلُهُ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَامِ التَّعْلِيلِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ كَأَنَّهُ فَسَّرَ الصَّلَاةَ الْمَسْئُولُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ فَذَكَرَهُ أَيِ الصَّلَاةَ الْمَسْئُولُ عَنْهَا هِيَ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ قَوْلُهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِلْبَاقِينَ وَخَرَجَ بِالْوَاوِ قَوْلُهُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتِ الظُّهْرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيل عَن بن عَبَّاسٍ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا لفظ بن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ
الصفحة 174