كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
يَتَأَخَّرُ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَائِدَتَانِ تَعْيِينُ جِهَةِ الطَّاعَةِ وَتَارِيخُ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ قِيلَ شَبَّهَهُ بِذَلِكَ لِصِغَرِ رَأْسِهِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْحَبَشَةِ وَقِيلَ لِسَوَادِهِ وَقِيلَ لِقِصَرِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَتَفَلْفُلِهِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ إِذَا أُمِرَ بِطَاعَتِهِ فَقَدْ أَمر بِالصَّلَاةِ خَلفه قَالَه بن بَطَّالٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ جِهَةِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ أَنَّ الْأَمِيرَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْقِيَامِ عَلَى السَّلَاطِينِ وَإِنْ جَارُوا لِأَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ يُفْضِي غَالِبًا إِلَى أَشَدِّ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِطَاعَةِ الْعَبْدِ الْحَبَشِيِّ وَالْإِمَامَةُ الْعُظْمَى إِنَّمَا تَكُونُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي قُرَيْشٍ فَيَكُونُ غَيْرُهُمْ مُتَغَلِّبًا فَإِذَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ اسْتَلْزَمَ النَّهْيَ عَن مُخَالفَته وَالْقِيَام عَلَيْهِ ورده بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِلِ هُنَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ الْإِمَامُ لَا مَنْ يَلِي الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّاعَةِ الطَّاعَةُ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ انْتَهَى وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ مَنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ ذَوِي الشَّوْكَةِ مُتَغَلِّبًا وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَقَدْ عَكَسَهُ بَعْضُهُمْ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْإِمَامَةِ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ إِذْ لَا تلازم بَين الْأَجْزَاء وَالْجَوَاز وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ)
يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي
[694] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَعْرَجِ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَمَاتَ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ قَوْلُهُ يُصَلُّونَ أَيِ الْأَئِمَّةُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَكُمْ لِلتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ أَيْ ثَوَابُ صَلَاتِكُمْ زَادَ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى بِهَذَا السَّنَدِ وَلَهُمْ أَيْ ثَوَابُ صَلَاتِهِمْ وَهُوَ يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ تَوْجِيهِ حَذْفِهَا وَتَمَسَّكَ بن بَطَّالٍ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَحْذُوفَةِ فَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بالاصابة هُنَا إِصَابَة الْوَقْت وَاسْتدلَّ بِحَدِيث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا لَعَلَّكُمْ تُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ فَالتَّقْدِيرُ على هَذَا فَإِن أَصَابُوا الْوَقْت وَإِن أخطؤوا الْوَقْتَ فَلَكُمْ يَعْنِي الصَّلَاةَ الَّتِي فِي الْوَقْتِ انْتَهَى وَغَفَلَ عَنِ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاتُهُمْ مَعَهُمْ لَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْحسن بن مُوسَى وَقد أخرج بن حِبَّانَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصْرَحَ فِي مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ وَلَفْظُهُ يَكُونُ أَقْوَامٌ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ فَإِنْ أَتَمُّوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ فَلَهُ وَلَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَأَتَمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَهِيَ لَكُمْ وَلَهُمْ فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ
الصفحة 187