كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ بِأَنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى تَقَدُّمِ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْغَضَبِ لِإِرَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِمَا يُلْقِيهِ لِأَصْحَابِهِ لِيَكُونُوا مِنْ سَمَاعِهِ عَلَى بَالٍ لِئَلَّا يَعُودَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِهِ وَأَقُولُ هَذَا أَحْسَنُ فِي الْبَاعِثِ عَلَى أَصْلِ إِظْهَارِ الْغَضَبِ أَمَّا كَوْنُهُ أَشَدَّ فَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ التَّعَقُّبُ الْمَذْكُورُ قَوْلُهُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فِيهِ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالْفِتْنَةِ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ أُبَيٍّ هَذِهِ بَعْدَ قِصَّةِ مُعَاذٍ فَلِهَذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَفِي قِصَّةِ مُعَاذٍ وَاجَهَهُ وَحْدَهُ بِالْخِطَابِ وَكَذَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْغَضَبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ وَبِهَذَا يَتَوَجَّهُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلُهُ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى مَا زَائِدَةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَمَنْ أَمَّ النَّاس قَوْله فليخفف قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ التَّطْوِيلُ وَالتَّخْفِيفُ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَةِ قَوْمٍ طَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِعَادَةِ آخَرِينَ قَالَ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لَا يُخَالِفُ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ رَغْبَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْخَيْر تَقْتَضِي أَن لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا قُلْتُ وَأَوْلَى مَا أُخِذَ حَدُّ التَّخْفِيفِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَنْتَ إِمَامُ قَوْمِكَ وَاقْدِرِ الْقَوْمَ بِأَضْعَفِهِمْ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِمْ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَإِنَّ خَلْفَهُ وَهُوَ تَعْلِيلُ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يَضُرَّ التَّطْوِيلُ وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ إِمْكَانِ مَجِيءِ مَنْ يَتَّصِفُ بِإِحْدَاهَا وَقَالَ الْيَعْمُرِيُّ الْأَحْكَامُ إِنَّمَا تُنَاطُ بِالْغَالِبِ لَا بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ فَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ التَّخْفِيفُ مُطْلَقًا قَالَ وَهَذَا كَمَا شُرِعَ الْقَصْرُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَعُلِّلَ بِالْمَشَقَّةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُشْرَعُ وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ وَهُنَا كَذَلِكَ قَوْلُهُ الضَّعِيفُ وَالْكَبِيرُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّعِيفِ هُنَا الْمَرِيضُ وَهُنَاكَ مَنْ يَكُونُ ضَعِيفًا فِي خِلْقَتِهِ كَالنَّحِيفِ وَالْمُسِنِّ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مَزِيدُ قَول فِيهِ

(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)
يُرِيدُ أَنَّ عُمُومَ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ مُخْتَصٌّ بِالْأَئِمَّةِ فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا أَطَالَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَإِنَّ مِنْهُمْ قَوْلُهُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ هُنَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ وَبِالسَّقِيمِ مَنْ بِهِ مَرَضٌ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَالْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَالْعَابِرَ السَّبِيلَ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أبي مَسْعُود الْمَاضِي وَذَا الْحَاجة هِيَ أَشْمَلُ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ وَلِمُسْلِمٍ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ أَيْ مُخَفِّفًا أَوْ مطولا

الصفحة 199