كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ الرَّجُلِ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بالمأموم)
قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ إِنَّ الصُّفُوفَ يَؤُمُّ بَعْضُهَا بَعْضًا خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ قُلْتُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِمْ فِي التَّبْلِيغِ فَقَطْ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ بَلِ الْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ فِيمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يرفع الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ رؤوسهم مِنَ الرَّكْعَةِ إِنَّهُ أَدْرَكَهَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ رَفَعَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ أَئِمَّةٌ انْتَهَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضَ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ وَأَثَرُ الشَّعْبِيِّ الْأَوَّلُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالثَّانِي وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَمْ يُفْصِحِ الْبُخَارِيُّ بِاخْتِيَارِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالتَّرْجَمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ أَيْ أَنَّهُ فِي مَقَامِ الْمُبَلِّغِ ثُمَّ ثَنَّى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي أَطْلَقَ فِيهَا اقْتِدَاءَ النَّاسِ بِأَبِي بَكْرٍ وَرَشَّحَ ظَاهِرَهَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَسْمَعُ النَّاسُ التَّكْبِيرَ لَا يَنْفِي كَوْنَهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ لِأَنَّ إِسْمَاعَهُ لَهُمُ التَّكْبِيرَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مَا يَأْتَمُّونَ بِهِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْمَذْكُورِ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ فِيهِ وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ
الصفحة 204