كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ إِقْبَالِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيهِ
[719] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَى لَهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا نَزَلَ فِيهِ لِمَا وَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ مِنْ تَصْرِيحِ حُمَيْدٍ بِتَحْدِيثِ أَنَسٍ لَهُ فَأَمِنَ بِذَلِكَ تَدْلِيسَهُ قَوْلُهُ وَتَرَاصُّوا بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَلَاصَقُوا بِغَيْرِ خَلَلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ أَقِيمُوا وَالْمُرَادُ بِأَقِيمُوا سَوُّوا كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَدَلَ أَقِيمُوا وَاعْتَدِلُوا وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْإِمَامِ لِرَعِيَّتِهِ والشفقة عَلَيْهِم وتحذيرهم من الْمُخَالفَة
(قَوْلُهُ بَابُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ)
وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَلِي الْإِمَامَ مُطْلَقًا وَقِيلَ أَوَّلُ صَفٍّ تَامٍّ يَلِي الْإِمَامَ لَا مَا تَخَلَّلَهُ شَيْءٌ كَمَقْصُورَةٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ سَبَقَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَو صلى آخر الصُّفُوف قَالَه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَاحْتَجَّ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ جَاءَ فِي آخِرِهِ وَزَاحَمَ إِلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ النَّوَوِيُّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ وَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ غَلَطٌ صَرِيحٌ انْتَهَى وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْقَوْلِ الثَّانِي لَحَظَ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ وَمَا فِيهِ خَلَلٌ فَهُوَ نَاقِصٌ وَصَاحِبُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ لَحَظَ الْمَعْنَى فِي تَفْضِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ دُونَ مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ تَرْجَمَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ الْبَابِ فِيهِ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَقَدَّمُهُ إِلَّا الْإِمَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَضِّ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ الْمُسَارَعَةُ إِلَى خَلَاصِ الذِّمَّةِ وَالسَّبْقُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقُرْبُ مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ وَالتَّعَلُّمُ مِنْهُ وَالْفَتْحُ عَلَيْهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْهُ وَالسَّلَامَةُ مِنِ اخْتِرَاقِ الْمَارَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَلَامَةُ الْبَالِ مِنْ رُؤْيَةِ مَنْ يَكُونُ قُدَّامَهُ وَسَلَامَةُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ من أذيال الْمُصَلِّين
الصفحة 208