كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ إِقَامَةِ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إِيجَابِ التَّكْبِيرِ قَرِيبًا وَفِي آخِرِهِ هُنَا وَأَقِيمُوا الصُّفُوفَ إِلَخْ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَقَدْ أَفْرَدَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ عَمَّا قَبْلَهُ فَجَعَلُوهُ حَدِيثَيْنِ

[722] قَوْله من حسن الصَّلَاة قَالَ بن رَشِيدٍ إِنَّمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْحُسْنِ هُنَا وَأَنَّهُ لَا يَعْنِي بِهِ الظَّاهِرَ الْمَرْئِيَّ مِنَ التَّرْتِيبِ بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْحُسْنُ الْحُكْمِيُّ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ

[723] مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ الصَّفِّ بِالْإِفْرَادِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ قَوْلُهُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْهُ بِلَفْظِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَن بن حُذَيْفَةَ والْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْهُ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ شُعْبَةَ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ دَاهَنْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ أَسْأَلْ قَتَادَةَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ أَمْ لَا انْتَهَى وَلَمْ أَرَهُ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا مُعَنْعَنًا وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَهُ فِي الْبَابِ تَقْوِيَةً لَهُ وَاسْتَدَلَّ بن حَزْمٍ بِقَوْلِهِ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ عَلَى وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ قَالَ لِأَنَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الرُّوَاةَ لم يتفقوا على هَذِه الْعبارَة وَتمسك بن بَطَّالٍ بِظَاهِرِ لَفْظِ حَدِيثِ أَبِيَ هُرَيْرَةَ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ سُنَّةٌ قَالَ لِأَنَّ حُسْنَ الشَّيْءِ زِيَادَةٌ عَلَى تَمَامِهِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ رِوَايَة من تَمام الصَّلَاة وَأجَاب بن دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَمَامِ الصَّلَاةِ الِاسْتِحْبَابُ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ فِي الْعُرْفِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِهَا وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ عَلَى بَعْضِ مَا لَا تَتِمُّ الْحَقِيقَةُ إِلَّا بِهِ كَذَا قَالَ وَهَذَا الْأَخْذُ بَعِيدٌ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ لَا يُحْمَلُ إِلَّا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْوَضْعُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عُرْفُ الشَّارِعِ لَا الْعُرْفُ الْحَادِثُ تَنْبِيهٌ لَفْظُ التَّرْجَمَةِ أَوْرَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ

الصفحة 209