كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ)
الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَعْدِيلِ الصَّفِّ وَسَدِّ خَلَلِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِسَدِّ خَلَلِ الصَّفِّ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أجمعها حَدِيث بن عمر عِنْد أبي دَاوُد وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَدَلِيِّ وَاسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ سمعتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ أَقْبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفكُمْ ثَلَاثًا وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي جَانِبَيِ الرِّجْلِ وَهُوَ عِنْدَ مُلْتَقَى السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَقَ بِالَّذِي بِجَنْبِهِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ يُنْسَبُ إِلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَمْ يُثْبِتْهُ مُحَقِّقُوهُمْ وَأَثْبَتَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ لَا الْوُضُوءِ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَعْبَ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ

[725] قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ فَصَرَّحَ فِيهِ بِتَحْدِيثِ أَنَسٍ لِحُمَيْدٍ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَكَانَ أَحَدُنَا إِلَخْ وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ بِلَفْظِ قَالَ أَنَسٌ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا إِلَخْ وَأَفَادَ هَذَا التَّصْرِيحُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَذَا يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِإِقَامَةِ الصَّفِّ وَتَسْوِيَتِهِ وَزَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ وَلَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِأَحَدِهِمُ الْيَوْمَ لَنَفَرَ كَأَنَّهُ بغل شموس

(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الْإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)
تَقَدَّمَ أَكْثَرُ لَفْظِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَبْلُ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ بَابًا لَكِنْ لَيْسَ هُنَاكَ لَفْظٌ خَلْفَهُ وَقَالَ هُنَاكَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا بَدَلَ قَوْلِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَأَخْرَجَ هُنَاكَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ هَذَا لَكِنْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَدٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى حِكْمَةِ هَذِهِ الْإِعَادَةِ بَلْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ لِاخْتِلَافِ الْجَوَابَيْنِ فَقَوْلُهُ لَمْ تَفْسُدْ

الصفحة 211