كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعَ الِافْتِتَاحِ)
سَوَاءٌ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ فَهَذَا دَلِيلُ الْمُقَارَنَةِ وَقَدْ وَرَدَ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَعَكْسُهُ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ فَفِي حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ بن جريج وَغَيره عَن بن شِهَابٍ بِلَفْظِ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَهُ كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَفِي الْمُقَارَنَةِ وَتَقْدِيمِ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمُقَارَنَةُ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ التَّكْبِيرِ عَلَى الرَّفْعِ وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَقَضِيَّةُ الْمَعِيَّةِ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَنَقَلَهَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَصُحِّحَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِانْتِهَائِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْأَصَحُّ يَرْفَعُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِأَنَّ الرَّفْعَ نَفْيُ صِفَةِ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالتَّكْبِيرُ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لَهُ وَالنَّفْيُ سَابِقٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الرَّفْعِ مَا ذَكَرَ وَقَدْ قَالَ فَرِيقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحِكْمَةُ فِي اقْتِرَانِهِمَا أَنْ يَرَاهُ الْأَصَمُّ وَيَسْمَعَهُ الْأَعْمَى وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ مُنَاسَبَاتٌ أُخَرُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى طَرْحِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَقِيلَ إِلَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِيُنَاسِبَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَقِيلَ إِلَى اسْتِعْظَامِ مَا دَخَلَ فِيهِ وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى تَمَامِ الْقِيَامِ وَقِيلَ إِلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَعْبُودِ وَقِيلَ لِيَسْتَقْبِلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا أَنْسَبُهَا وَتُعُقِّبَ وَقَالَ الرَّبِيعُ قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ مَا مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَالَ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نبيه وَنقل بن عبد الْبر عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مِنْ زِينَةِ الصَّلَاةِ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ بِكُلِّ رَفْعٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ بِكُلِّ إِصْبَعٍ حَسَنَةٌ

[735] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ مَا فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَعْنَبِيُّ وَسَرَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ قَالَ وَحَدَّثَ بِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأ بن الْمُبَارك وبن مهْدي وَالْقطَّان وَغَيرهم بإثباته وَقَالَ بن عبد الْبر كل من رَوَاهُ عَن بن شِهَابٍ أَثْبَتَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ خَاصَّةً قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ على اسْتِحْبَاب

الصفحة 218