كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنَ الرَّفْعِ إِلَّا أَنَّهُ حُكِيَ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ دَاوُدَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ مِنْ أَصْحَابِنَا اه وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِجْمَاعَ مَنْ قَبْلَ الْمَذْكُورِينَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ عَنْهُمَا أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ وَبِالِاعْتِذَارِ الْأَوَّلِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ إِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ مِنْهُمْ وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ متقدميهم وَأسلم الْعبارَات قَول بن الْمُنْذِرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتتح الصَّلَاة وَقَول بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ أَيْضا الْأَوْزَاعِيّ والْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيِّ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حسن عَن الإِمَام أَحْمد وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْإِيجَابُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحُمَيْدِيِّ قُلْتُ وَنَقَلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَأْثَمُ تَارِكُهُ وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَنَقله بن الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنِ الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَنَقَلَ الْقَفَّالُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَيَّارٍ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَقَدْ نُقِلَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَنَقَلَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ أَحْمَدِ بْنِ سَيَّارٍ الَّذِي مَضَى وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ بن خُزَيْمَة إِنَّه ركن وَاحْتج بن حَزْمٍ بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَسَيَأْتِي مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نِهَايَة الرّفْع بعد بِبَاب
(قَوْلُهُ بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ)
قَدْ صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا مُنْفَرِدًا وَحَكَى فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أحدا وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَرْكُ الرَّفْعِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ رُوِيَ عَنْهُ فعله إِلَّا بن مَسْعُودٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ
الصفحة 219