كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلَّا أهل الْكُوفَة وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ ترك الرّفْع فيهمَا إِلَّا بن الْقَاسِمِ وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ الرَّفْعَ عَلَى حَدِيثِ بن عمر وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ بن وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَحْكِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ أَنَّهُ آخِرُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَصَحُّهُمَا وَلَمْ أَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ وَلَا متمسكا إِلَّا بقول بن الْقَاسِمِ وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعَوَّلُوا عَلَى رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ أَنه صلى خلف بن عُمَرَ فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأُجِيبُوا بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ رَاوِيَهُ سَاءَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ وَسَتَأْتِي رِوَايَةُ نَافِعٍ بَعْدَ بَابَيْنِ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أولى من وَاحِد لَا سِيمَا وَهْمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ وَاجِبًا فَفَعَلَهُ تَارَةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْء رفع الْيَدَيْنِ عَن مَالك أَن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَمَاه بالحصا وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ لَا يَعُودُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَدَّهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَالَ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمًا عَلَى النَّافِي وَقَدْ صَحَّحَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ والطَّحَاوِيُّ إِنَّمَا نَصَبَ الْخِلَافَ مَعَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ عقب حَدِيث بن عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ بن عمر هَذَا وَهَذَا فِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَزَادَ وَكَانَ عَلِيٌّ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَمُقَابِلُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَنَسَبَ بَعْضُ مُتَأَخَّرِي الْمَغَارِبَةِ فَاعِلَهُ إِلَى الْبِدْعَةِ وَلِهَذَا مَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِيهِمْ كَمَا حَكَاهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِلَى تَرْكِهِ دَرْءًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَقَدْ طَعَنَ فِي الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَرْكُهُ قَالَ وَلَا أَسَانِيدَ أَصَحُّ مِنْ أَسَانِيدِ الرَّفْعِ انْتَهَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ مِمَّنْ رَوَاهُ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَافِظُ أَنَّهُ تَتَبَّعَ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَبَلَغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا
[736] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يَزِيدَ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ تَصْرِيحَ الزُّهْرِيِّ بِإِخْبَارِ سَالِمٍ لَهُ بِهِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ سَمَّاهُ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ فَقَالُوا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ أَيْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرُّكُوعِ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ أَيْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ رَفْعَ يَدَيْهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقيام من الرُّكُوع وَأما رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهَا عَنْ أَحْمَدَ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ مَا يَشْرَعُ فِي الرَّفْعِ لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَاتُ قَوْلُهُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ أَيْ لَا فِي الْهُوِيِّ إِلَيْهِ وَلَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا إِذَا نَهَضَ
الصفحة 220