كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَشَاذَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ هُوَ اخْتِلَاسٌ أَيِ اخْتِطَافٌ بِسُرْعَةٍ وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَالِاخْتِلَاسُ افْتِعَالٌ مِنَ الْخِلْسَةِ وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ سَلْبًا مُكَابَرَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُخْتَلِسُ الَّذِي يَخْطِفُ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ وَيَهْرُبُ وَلَوْ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ لَهُ وَالنَّاهِبُ يَأْخُذُ بِقُوَّةٍ وَالسَّارِقُ يَأْخُذُ فِي خُفْيَةٍ فَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى شَيْءٍ مَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ يُقِيمُهَا أَشْبَهَ المختلس وَقَالَ بن بَزِيزَةَ أُضِيفَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا مِنْ مُلَاحَظَةِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ سُمِّيَ اخْتِلَاسًا تَصْوِيرًا لِقُبْحِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ بِالْمُخْتَلِسِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالشَّيْطَانُ مُرْتَصِدٌ لَهُ يَنْتَظِرُ فَوَاتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِذَا الْتَفَتَ اغْتَنَمَ الشَّيْطَانُ الْفُرْصَةَ فَسَلَبَهُ تِلْكَ الْحَالَةَ قَوْلُهُ يَخْتَلِسُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ يَخْتَلِسُهُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ سُجُودِ السَّهْوِ جَابِرًا لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ دُونَ الِالْتِفَاتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُنْقِصُ الْخُشُوعُ لِأَنَّ السَّهْوَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْمُكَلَّفِ فَشُرِعَ لَهُ الْجَبْرُ دُونَ الْعَمْدِ لِيَتَيَقَّظَ الْعَبْدُ لَهُ فَيَجْتَنِبُهُ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ أَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَوَجْهُ دُخُولِهِ فِي التَّرْجَمَةِ أَنَّ أَعْلَامَ الْخَمِيصَةِ إِذَا لَحَظَهَا الْمُصَلِّي وَهِيَ عَلَى عَاتِقِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الِالْتِفَاتِ وَلِذَلِكَ خَلَعَهَا مُعَلِّلًا بِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى أَعْلَامِهَا وَسَمَّاهُ شَغْلًا عَنْ صَلَاتِهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ كَوْنُهُ يُؤَثِّرُ فِي الْخُشُوعِ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْخَمِيصَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِأَنَّ لَمْحَ الْعَيْنِ يَغْلِبُ الْإِنْسَانَ وَلِهَذَا لَمْ يُعِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الصَّلَاةَ

[752] قَوْلُهُ شَغَلَنِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَغَلَتْنِي وَهُوَ أَوْجَهُ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي اذْهَبُوا بِهَا أَوْ بِهِ قَوْلُهُ إِلَى أَبِي جَهْمٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ جهيم بِالتَّصْغِيرِ

(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ يَلْتَفِتُ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ أَوْ يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ)
الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقِبْلَةِ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ بُصَاقًا وَأَمَّا قَوْلُهُ شَيْئًا فَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَالْجَامِعُ بَيْنَ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ حُصُولُ التَّأَمُّلِ الْمُغَايِرِ لِلْخُشُوعِ

الصفحة 235