كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

بَدَلَ الْفَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْحَذْفِ حَذْفُ التَّطْوِيلِ لَا حَذْفُ أَصْلِ الْقِرَاءَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحْذِفُ الرُّكُودَ قَوْلُهُ ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ أَيْ هَذَا الَّذِي تَقُولُ هُوَ الَّذِي كُنَّا نَظُنُّهُ زَادَ مِسْعَرٌ عَن عبد الْملك وبن عَوْنٍ مَعًا فَقَالَ سَعْدٌ أَتُعَلِّمُنِي الْأَعْرَابُ الصَّلَاةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ شَكَوْهُ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَأَنَّهُمْ ظَنُّوا مَشْرُوعِيَّةَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فَأَنْكَرُوا عَلَى سَعْدٍ التَّفْرِقَةَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ذَمُّ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ وَفِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَجْهُ دُخُولِ حَدِيثِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَرْكُدُ وَأُخِفُّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ قَالَ إِنَّهَا مِثْلُ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَصَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ رُكُودُ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَتِهِ عَادَةً قَالَ بن رَشِيدٍ وَلِهَذَا أَتْبَعَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ حَدِيثَ سَعْدٍ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ كَالْمُفَسِّرِ لَهُ قُلْتُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هُنَا ذِكْرُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَعَمْ هُوَ مَذْكُورٌ مِنْ حَدِيثِهِ بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ وَإِنَّمَا تَتِمُّ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوُجُوبِ إِذَا ضَمَّ إِلَى مَا ذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَيَحْصُلُ التَّطَابُقُ بِهَذَا لِقَوْلِهِ الْقِرَاءَةُ لِلْإِمَامِ وَمَا ذَكَرَ مِنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَأَمَّا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ وَقِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ فَمِنْ غَيْرِ حَدِيثِ سَعْدٍ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْبَابِ وَقَدْ يُؤْخَذُ السَّفَرُ وَالْحَضَرُ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْإِمَامِ فَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي الْبَابِ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسئ صَلَاتَهُ وَهُوَ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالَ لَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْفِيفُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَنِ الْأُولَيَيْنِ قَوْلُهُ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا كَذَا لَهُمْ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَبَعَثَ عُمَرُ رَجُلَيْنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْكَشْفُ عَنْهُ بِحَضْرَتِهِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التُّهْمَةِ لَكِنَّ كَلَامَ سَيْفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة الصَّلَاة بعد مَا عَادَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الْكُوفَةِ وَذَكَرَ سَيْفٌ وَالطَّبَرِيُّ أَنَّ رَسُولَ عُمَرَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْتَصُّ آثَارَ مَنْ شُكِيَ مِنَ الْعُمَّالِ فِي زمن عمر وَحكى بن التِّينِ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ فِي ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَقَدْ عرف الرّجلَانِ وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مَلِيحِ بْنِ عَوْفٍ السُّلَمِيِّ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةٍ وَأَمَرَنِي بِالْمَسِيرِ مَعَهُ وَكُنْتُ دَلِيلًا بِالْبِلَادِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا وَأَقَامَ سَعْدًا فِي مَسَاجِدِ الْكُوفَةِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ جَرِيرٍ فَطِيفَ بِهِ فِي مَسَاجِدِ الْكُوفَةِ قَوْلُهُ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ مَعْرُوفا فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَكُلُّهُمْ يُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا قَوْلُهُ لِبَنِي عَبْسٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ قَيْسٍ قَوْلُهُ أَبَا سَعْدَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ زَادَ سَيْفٌ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أُنْشِدُ اللَّهَ رَجُلًا يَعْلَمُ حَقًّا إِلَّا قَالَ قَوْلُهُ أَمَّا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقَسِيمُهَا مَحْذُوفٌ أَيْضًا قَوْلُهُ نَشَدْتَنَا أَيْ طَلَبْتَ مِنَّا الْقَوْلَ قَوْلُهُ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالسَّرِيَّةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ أَيْ لَا يَسِيرُ بِالطَّرِيقَةِ السَّرِيَّةِ أَيِ الْعَادِلَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَعْدِلُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ جَرِيرٍ وَسُفْيَانُ بِلَفْظٍ وَلَا يَنْفِرُ فِي السَّرِيَّةِ قَوْلُهُ فِي الْقَضِيَّةِ أَيِ الْحُكُومَةِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَسَيْفٍ فِي الرَّعِيَّةِ قَوْلُهُ قَالَ سَعْدٌ فِي رِوَايَة جرير فَغَضب سعد وَحكى بن التِّين أَنه قَالَ لَهُ أَعَلَيَّ تَسْجَعُ قَوْلُهُ أَمَا وَاللَّهِ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ قَوْلُهُ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ أَيْ عَلَيْكَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَفَى عَنْهُ الْفَضَائِلَ الثَّلَاثَ وَهِيَ الشَّجَاعَةُ حَيْثُ قَالَ لَا يَنْفِرُ وَالْعِفَّةُ حَيْثُ قَالَ لَا

الصفحة 239