كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

مِنْ هَذَا وَكَانَ هَذَا سَبَبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ بن حِبَّانَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ مَنْ مَضَى كَانَ الْإِمَامُ يَسْكُتُ سَاعَةً قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَائِدَةٌ زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ فَصَاعِدًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى الْفَاتِحَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدا وَادّعى بن حِبَّانَ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِهِ عَنْ بعض الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فِيمَا رَوَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآن أَجْزَأت وَلابْن خُزَيْمَة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ لم يقْرَأ فيهمَا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ بَابًا وَمَوْضِعُ الْحَاجَةِ مِنْهُ هُنَا

[757] قَوْلُهُ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بإيراده عَقِبَ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ إِنَّمَا تَتَحَتَّمُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا وَأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا يَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَنَّ إِطْلَاقَ الْقِرَاءَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدٌ بِالْفَاتِحَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ التَّخْيِيرِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِمَنْ أَحْسَنَهَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ثُمَّ عَيَّنَتِ السُّنَّةُ الْمُرَادَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ مَا تَيَسَّرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ أَوْ عَلَى مَا زَادَ مِنَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَهَا أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا تَيَسَّرَ لَا إِجْمَالَ فِيهِ حَتَّى يُبَيَّنَ بِالْفَاتِحَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَاتِحَةِ يُنَافِي التَّيْسِيرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مُتَيَسِّرَةٌ وَهِيَ أَقْصَرُ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّيْسِيرُ فِي الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَا زَادَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مَنْ عَجَزَ فَبَعِيدٌ وَالْجَوَابُ الْقَوِيُّ عَنْ هَذَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ تَفْسِيرُ مَا تَيَسَّرَ بِالْفَاتِحَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رَفَعَهُ وَإِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِيهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ثُمَّ اقْرَأْ إِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ كَانَ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةِ هُوَ الْأَصْلُ لِمَنْ مَعَهُ قُرْآنٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهَا وَكَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَرَأَ مَا تَيَسَّرَ وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى الذِّكْرِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَمَا تيَسّر

الصفحة 243