كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ)
اعْتَرَضَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَالَّتِي بَعْدَهَا بِأَنَّ الْجَهْرَ فِيهِمَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَلَيْسَ هُوَ مَقْصُورًا عَلَى الْخِلَافِيَّاتِ

[765] قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةِ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطورِ فِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ يَقْرَأُ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ جَاءَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ أَيْضًا فِي آخِرِهِ قَالَ وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ وَزَادَ فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءَتِهِ الْكَرْبُ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُ الْقُرْآنَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ أَدَاءِ مَا تَحَمَّلَهُ الرَّاوِي فِي حَالِ الْكُفْرِ وَكَذَا الْفِسْقُ إِذَا أَدَّاهُ فِي حَالِ الْعَدَالَةِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى زَوَائِدَ أُخْرَى فِيهِ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْلُهُ بِالطُّورِ أَيْ بِسُورَةِ الطّور وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ قَرِيبًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالسُّوَرِ الطِّوَالِ نَحْوِ الطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أَسْتَحِبُّهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا اسْتِحْبَابَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ الْعَمَلَ بِالْمَدِينَةِ بل وبغيرها قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَتَقْصِيرِهَا فِي الْمَغْرِبِ وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَثَبَتَتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا لَمْ تَثْبُتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قُلْتُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ هُنَا ثَلَاثَةٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ لِأَنَّ الْأَعْرَافَ مِنَ السَّبْعِ الطِّوَالِ وَالطُّورَ مِنْ طوال الْمفصل والمرسلات من أوساطه وَفِي بن حبَان من حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ بِهِمْ فِي الْمَغْرِبِ بِالَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا فِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ إِلَّا حَدِيثًا فِي بن ماجة عَن بن عُمَرَ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَمَّا حَدِيث بن عُمَرَ فَظَاهِرُ إِسْنَادِهِ الصِّحَّةُ إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْطَأَ فِيهِ بَعْضُ رُوَاتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ سِمَاكٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ قَرَأَ بِهِمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاعْتَمَدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ قَالَ سُلَيْمَانُ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ الحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي بَابِ جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ بَعْدَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَابًا نَعَمْ حَدِيثُ رَافِعٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَضِلُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ يَدُلُّ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْيَانًا يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَى مَرْوَانَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَلَوْ كَانَ مَرْوَانُ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ لَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ لَمْ يُرِدْ زَيْدٌ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالطِّوَالِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ ذَلِكَ كَمَا رَآهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصِّحَّةِ بِأَطْوَلَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي

الصفحة 248