كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
حَالِ شِدَّةِ مَرَضِهِ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّخْفِيفِ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى أَبِي دَاوُدَ ادِّعَاءَ نَسْخِ التَّطْوِيلِ لِأَنَّهُ رَوَى عَقِبَ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْقِصَارِ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ زَيْدٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الدَّلَالَةِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى عُرْوَةَ رَاوِيَ الْخَبَرِ عَمِلَ بِخِلَافِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَاسِخِهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْحَمْلِ وَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَأُمُّ الْفَضْلِ تَقُولُ إِنَّ آخِرَ صَلَاة صلاهَا بهم قَرَأَ بالمرسلات قَالَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَجَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِمَا أَحَبَّ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامًا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْقِرَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ اه وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ مَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ التَّقْصِيرُ أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ مَتْرُوكٌ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ بِلَفْظٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ عَذَاب رَبك لوَاقِع قَالَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ هَذِهِ السُّورَة فِي هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً اه وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي قَوْلَهُ خَاصَّةً مَعَ كَوْنِ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخُصُوصِهَا مُضَعَّفَةً بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أم هم الْخَالِقُونَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ الْمُصَيْطِرُونَ كَادَ قَلْبِي يَطِيرُ وَنَحْوُهُ لِقَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ وَفِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكتاب مسطور وَمِثْلُهُ لِابْنِ سَعْدٍ وَزَادَ فِي أُخْرَى فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ يَأْتِي فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَذَا أَبْدَاهُ الْخَطَّابِيُّ احْتِمَالًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَكُونُ قَدْرَ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ لَمَا كَانَ لِإِنْكَارِ زَيْدٍ مَعْنًى وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ زَيْدٍ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ إِنَّكَ لَتُخِفُّ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقْرَأ فِيهَا بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى هِشَامٍ فِي صَحَابِيِّهِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَوْ أَبِي أَيُّوبَ وَقِيلَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَتْنِ دُونَ الْقِصَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَحُدَّهُ بِقِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ قَالُوا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَهُ أَنْ يَمُدَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا وَلَوْ غَابَ الشَّفَقُ وَاسْتَشْكَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إِطْلَاقَ هَذَا وَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ يُوقِعُ رَكْعَةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُدِيمُ الْبَاقِيَ وَلَوْ غَابَ الشَّفَقُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ تَعَمُّدَ إِخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنِ الْوَقْتِ مَمْنُوعٌ وَلَوْ أَجْزَأَتْ فَلَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُفَصَّلِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مُنْتَهَاهُ آخِرُ الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الصَّافَّاتِ أَوِ الْجَاثِيَةِ أَوِ الْقِتَالِ أَوِ الْفَتْحِ أَوِ الْحُجُرَاتِ أَوْ ق أَوِ الصَّفِّ أَوْ تَبَارَكَ أَوْ سَبِّحْ أَوِ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ أَقْوَالٌ أَكْثَرُهَا مُسْتَغْرَبٌ اقْتَصَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الْأَوَائِلِ سِوَى الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَحَكَى الْأَوَّلَ وَالسَّابِع وَالثَّامِن بن أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ وَحَكَى الرَّابِعَ وَالثَّامِنَ الدِّزَّمَارِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَحَكَى التَّاسِعَ الْمَرْزُوقِيُّ فِي شَرْحِهِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ الْعَاشِرَ وَالرَّاجِحُ الْحُجُرَاتُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّ الْمُفَصَّلَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ وَأَمَّا
الصفحة 249