كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ)
أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْجَهْرِ وَالتَّأْمِينُ مَصْدَرُ أَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَالَ آمِينَ وَهِيَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ الْإِمَالَةَ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أُخْرَى شَاذَّةٌ الْقَصْرُ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ وَأَنْشَدَ لَهُ شَاهدا وَأنْكرهُ بن دَرَسْتَوَيْهِ وَطَعَنَ فِي الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَحَكَى عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ إِنَّمَا أَجَازَهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً وَالتَّشْدِيدُ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَخَطَّأَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَآمِينَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ مِثْلَ صَهٍ لِلسُّكُوتِ وَتُفْتَحُ فِي الْوَصْلِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ كَيْفَ وَإِنَّمَا لَمْ تُكْسَرْ لِثِقَلِ الْكَسْرَةِ بَعْدَ الْيَاءِ وَمَعْنَاهَا اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ جَمِيعُهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ آمِنَّا بِخَيْرٍ وَقِيلَ كَذَلِكَ يَكُونُ وَقِيلَ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ تَجِبُ لِقَائِلِهَا وَقِيلَ لِمَنِ اسْتُجِيبَ لَهُ كَمَا اسْتُجِيبَ لِلْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ التَّابِعِيِّ مِثْلُهُ وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ مَنْ مَدَّ وَشَدَّدَ مَعْنَاهَا قَاصِدِينَ إِلَيْكَ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَقَالَ مَنْ قَصَرَ وَشَدَّدَ هِيَ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ خَتَمَ بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ قَوْلُهُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ بِآمِينَ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ أَكَانَ بن الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ عَلَى أَثَرِ أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ وَيُؤَمِّنُ مَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا آمِينَ دُعَاءٌ قَالَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَ الْإِمَامُ فَيُنَادِيهِ فَيَقُولُ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ وَقَوْلُهُ حَتَّى إِنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لِلْمَسْجِدِ أَيْ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ لَلَجَّةً اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَاللَّجَّةُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الصَّوْتُ الْمُرْتَفِعُ وَرَوَى لَلَجَبَةً بِمُوَحَّدَةٍ وَتَخْفِيفِ الْجِيم حَكَاهُ بن التِّينِ وَهِيَ الْأَصْوَاتُ الْمُخْتَلِطَةُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ لَرَجَّةً بِالرَّاءِ بَدَلَ اللَّامِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ لَا تَفُتْنِي بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ النُّسَخِ بِالْفَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَإِنَّمَا فِيهَا بِالْمُثَنَّاةِ مِنَ الْفَوَاتِ وَهِيَ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنَ السَّبْقِ وَمُرَادُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَ الْإِمَامِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ وَقَالَ مَعْنَاهُ لَا تُنَازِعْنِي بِالتَّأْمِينِ الَّذِي هُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمَأْمُومِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كَانَ أَبُو
الصفحة 262