كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

عَن بن مَسْعُودٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطَبِّقُونَ انْتَهَى وَقد ورد ذَلِك عَن بن مَسْعُودٍ مُتَّصِلًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُمِلَ هَذَا عَلَى أَنَّ بن مَسْعُود لم يبلغهُ النّسخ وَقد روى بن الْمُنْذر عَن بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ قَالَ إِنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً يَعْنِي التَّطْبِيقَ وروى بن خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَرَكَعَ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا يَعْنِي الْإِمْسَاكَ بِالرُّكَبِ فَهَذَا شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِطَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَطَبَّقَ ثُمَّ لَقِينَا عُمَرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَطَبَّقْنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ كُنَّا نَفْعَلُهُ ثُمَّ تُرِكَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ الرُّكَبَ سُنَّتْ لَكُمْ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ كُنَّا إِذَا رَكَعْنَا جَعَلْنَا أَيْدِيَنَا بَيْنَ أَفْخَاذِنَا فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ الْأَخْذَ بِالرُّكَبِ وَهَذَا أَيْضًا حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ السُّنَّةُ كَذَا أَوْ سُنَّ كَذَا كَانَ الظَّاهِرُ انْصِرَافَ ذَلِكَ إِلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَالَهُ مِثْلُ عُمَرَ قَوْلُهُ فنهينا عَنهُ اسْتدلَّ بِهِ بن خُزَيْمَةَ عَلَى أَنَّ التَّطْبِيقَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَدْ روى بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ إِذَا رَكَعْتَ فَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ هَكَذَا يَعْنِي وَضَعْتَ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ طَبَّقْتَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّخْيِيرَ فَإِمَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ وَإِمَّا حَمَلَهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ كَوْنُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ فعله بِالْإِعَادَةِ فَائِدَة حكى بن بَطَّالٍ عَنِ الطَّحَاوِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ طَرِيقَ النَّظَرِ يَقْتَضِي أَنَّ تَفْرِيقَ الْيَدَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَطْبِيقِهِمَا لِأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِالتَّجَافِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبِالْمُرَاوَحَةِ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ قَالَ فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَوْلَوِيَّةِ تَفْرِيقِهِمَا فِي هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوَّلِ اقْتَضَى النَّظَرُ أَنْ يُلْحَقَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ فَثَبَتَ انْتِفَاءُ التَّطْبِيقِ وَوُجُوبُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مُعَارَضٌ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي سُنَّ فِيهَا الضَّمُّ كَوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي حَالِ الْقِيَامِ قَالَ وَإِذَا ثَبَتَ مَشْرُوعِيَّةُ الضَّمِّ فِي بَعْضِ مَقَاصِدِ الصَّلَاةِ بَطَلَ مَا اعْتَمَدَهُ مِنَ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ نَعَمْ لَوْ قَالَ إِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَا يَقْتَضِي مَزِيَّةَ التَّفْرِيجِ عَلَى التَّطْبِيقِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَتِ الْحِكْمَةُ فِي إِثْبَاتِ التَّفْرِيجِ عَلَى التَّطْبِيقِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْرَدَ سَيْفٌ فِي الْفُتُوحِ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَتْ بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّ التَّطْبِيقَ مِنْ صَنِيعِ الْيَهُودِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ لِذَلِكَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بِمُخَالَفَتِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا أَيْ أَكُفَّنَا مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِلَفْظِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالْأَكُفِّ عَلَى الركب وَهُوَ مُنَاسِب للفظ التَّرْجَمَة

الصفحة 274