كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

وَقَدْ أَمْلَيْتُ الزِّيَادَاتِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا فَمِمَّا لم يذكر فِيهِ صَرِيحًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا النِّيَّةُ وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ وَمِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالسَّلَامُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الرَّجُلِ اه وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْمِلَةٍ وَهُوَ ثُبُوتُ الدَّلِيلِ عَلَى إِيجَابِ مَا ذُكِرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ نَظَرٌ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ وَالتَّعَوُّذَ وَدُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ وَوَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهَيْئَاتِ الْجُلُوسِ وَوَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْفَخِذِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ اه وَهُوَ فِي مَعْرِضِ الْمَنْعِ لِثُبُوتِ بَعْضِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَحْتَاجُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَعَيُّنِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُجْزِئُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ صفة الصَّلَاة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَحَلُّ التَّعَبُّدَاتِ وَلِأَنَّ رُتَبَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ مُخْتَلِفَةٌ فَقَدْ لَا يَتَأَدَّى بِرُتْبَةٍ مِنْهَا مَا يُقْصَدُ بِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَنَظِيرُهُ الرُّكُوعُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّعْظِيمُ بِالْخُضُوعِ فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِالسُّجُودِ لَمْ يُجْزِئْ مَعَ أَنَّهُ غَايَةُ الْخُضُوعِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَة الْفَاتِحَة لَا تتَعَيَّن قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إِذَا تَيَسَّرَ فِيهِ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ فَقَرَأَهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا فَيَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ قَالَ وَالَّذِينَ عَيَّنُوهَا أَجَابُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى تَعَيُّنِهَا تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ التَّيْسِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُطْلَقًا لَوْ قَالَ اقْرَأْ قُرْآنًا ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ وَقَوْلُهُ مَا تَيَسَّرَ مُتَّضِحٌ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّخْيِيرِ قَالَ وَإِنَّمَا يَقْرَبُ ذَلِكَ إِنْ جُعِلَتْ مَا مَوْصُولَةً وَأُرِيدَ بِهَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ لِكَثْرَةِ حِفْظِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا فَهِيَ الْمُتَيَسِّرَةُ وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ الْفَاتِحَةَ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ مَا تَيَسَّرَ وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُمَا لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يُتْرَكُ الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ مَا تَيَسَّرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِ إِيجَابِ الْفَاتِحَةِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي تقدّمت لِأَحْمَد وبن حِبَّانَ حَيْثُ قَالَ فِيهَا اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقُ السُّجُودِ فَيَصْدُقُ بِغَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَالطُّمَأْنِينَةُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ لَا تُعْتَبَرُ وَعُورِضَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ زِيَادَةً لَكِنْ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِالسُّجُودِ وَأَنَّهُ خَالَفَ السُّجُودَ اللُّغَوِيَّ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَضْعِ الْجَبْهَةِ فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ السُّجُودَ الشَّرْعِيَّ مَا كَانَ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ تَأْكِيدًا لِوُجُوبِ السُّجُودِ وَكَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ يُصَلُّونَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِغَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّافِلَةِ مُلْزِمٌ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ كَانَتْ فَرِيضَةً فَيَقِفُ الِاسْتِدْلَالُ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَحُسْنُ التَّعْلِيمِ بِغَيْرِ تَعْنِيفٍ وَإِيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ وَتَخْلِيصُ الْمَقَاصِدِ وَطَلَبُ الْمُتَعَلِّمِ مِنَ الْعَالِمِ أَنْ يُعَلِّمَهُ وَفِيهِ تَكْرَارُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَوْضِعِ إِذَا وَقَعَتْ صُورَةُ انْفِصَالٍ وَفِيهِ أَنَّ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ وَفِيهِ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَجُلُوسُ أَصْحَابِهِ مَعَهُ وَفِيهِ التَّسْلِيمُ لِلْعَالِمِ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالِاعْتِرَافُ بِالتَّقْصِيرِ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْبَشَرِيَّةِ فِي جَوَازِ الْخَطَأ

الصفحة 280