كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَيْ فَلَمَّا شَرَعَ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ ابْتَدَأَ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ وَأَتَمَّهُ بَعْدَ أَنِ اعْتَدَلَ قَوْلُهُ قَالَ رَجُلٌ زَادَ الْكشميهني وَرَاءه قَالَ بن بَشْكُوَالٍ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ رَاوِي الْخَبَرِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسْتُ فَقُلْتُ الْحَمد لله الحَدِيث ونوزع فِي تَفْسِيرُهُ بِهِ لِاخْتِلَافِ سِيَاقِ السَّبَبِ وَالْقِصَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عُطَاسَهُ وَقَعَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُنِّي عَنْ نَفْسِهِ لِقَصْدِ إِخْفَاءِ عَمَلِهِ أَوْ كَنَّى عَنْهُ لِنِسْيَانِ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِاسْمِهِ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فَلَا يَتَضَمَّنُ إِلَّا زِيَادَةً لَعَلَّ الرَّاوِيَ اخْتَصَرَهَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَفَادَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزُّهْرَانِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتِ الْمَغْرِبَ قَوْلُهُ مُبَارَكًا فِيهِ زَادَ رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى فَأَمَّا قَوْلُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَرْضَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ لَا الْبَقَاءُ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ التَّغَيُّرِ وَقَالَ تَعَالَى وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَنْبِيَاءَ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ بَاقِيَةٌ لَهُمْ وَلَمَّا كَانَ الْحَمْدُ يُنَاسِبُهُ الْمَعْنَيَانِ جَمَعَهُمَا كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى فَفِيهِ مِنْ حُسْنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي الْقَصْدِ قَوْلُهُ مَنِ الْمُتَكَلِّمُ زَادَ رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَنَا قَالَ كَيْفَ قُلْتُ فَذَكَرَهُ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَالْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْبِضْعَ يَخْتَصُّ بِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ قَوْلُهُ أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ فِي رِوَايَةِ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا أَوَّلَ ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ رُوِيَ أَوَّلُ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ قُطِعَ مِنَ الْإِضَافَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ انْتَهَى وَأَمَّا أَيُّهُمْ فَرَوَيْنَاهُ بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ يَكْتُبُهَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِأَبِي الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يكفل مَرْيَم قَالَ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ يُلْقُونَ وَأَيُّ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ مَقُولٌ فِيهِمْ أَيُّهمْ يَكْتُبُهَا وَيَجُوزُ فِي أَيِّهِمِ النَّصْبُ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْمَحْذُوفُ فَيَنْظُرُونَ أَيَّهُمْ وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَيٌّ مَوْصُولَةٌ وَالتَّقْدِيرُ يَبْتَدِرُونَ الَّذِي هُوَ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ ذَلِكَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ يَكْتُبُهَا وَيَصْعَدُ بِهَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ الْحَدِيثَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطَّاعَاتِ قَدْ يَكْتُبُهَا غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ تَأْخِيرُ رِفَاعَةَ إِجَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَرَّرَ سُؤَالَهُ ثَلَاثًا مَعَ أَنَّ إِجَابَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بَلْ وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ رِفَاعَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلِ الْمُتَكَلِّمَ وَحْدَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ تَتَعَيَّنِ الْمُبَادَرَةُ بِالْجَوَابِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا مِنْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُمُ انْتَظَرُوا بَعْضُهُمْ لِيُجِيبَ وَحَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَبْدُو فِي حَقِّهِ شَيْءٌ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيمَا فَعَلَ وَرَجَوْا أَنْ يَقَعَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى سُكُوتَهُمْ فَهِمَ ذَلِكَ فَعَرَّفَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ رِفَاعَةَ بن يحيى عِنْد بن قَانِعٍ قَالَ رِفَاعَةُ فَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَالِي وَأَنِّي لَمْ أَشْهَدْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا فَقَالَ أَنا قلتهَا لم أرد بهَا إلاخيرا وللطبرانى
الصفحة 286