كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ)
لَفْظُ الْمَتْنِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ لَكِنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى لَفْظِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ أَوْرَدَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ وَإِنِ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عِظَامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا
[809] قَوْلُهُ سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِالْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ عُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ وَلَمَّا كَانَ هَذَا السِّيَاقُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظٍ آخَرَ دَالٍّ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أمرنَا وَعرف بِهَذَا أَن بن عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا سَمَاعًا مِنْهُ وَإِمَّا بَلَاغًا عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِلَفْظِ إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ الْحَدِيثُ وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّ النُّونَ فِي أُمِرْنَا نُونُ الْجَمْعِ وَالْآرَابُ بِالْمَدِّ جَمْعُ إِرْبٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَهُوَ الْعُضْو وَيحْتَمل أَن يكون بن عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَوْلُهُ وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَهُوَ قَوْلُهُ سَبْعَةُ أَعْضَاءٍ وَالْمُفَسَّرِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْجَبْهَةِ إِلَخْ وَذَكَرَهُ بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعْرَ وَالْكَفْتُ بِمُثَنَّاةٍ فِي آخِرِهِ هُوَ الضَّمُّ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَفِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ ثِيَابَهُ وَلَا شَعْرَهُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الدَّاوُدِيُّ وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَلِيلٍ بَابُ لَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ تُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَكِنْ حَكَى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبَهُ وَشَعْرَهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّرَ قَوْلُهُ الْجَبْهَةِ زَاد فِي رِوَايَة بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ كَأَنَّهُ ضَمَّنَ أَشَارَ مَعْنَى أَمَرَّ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ فَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى دُونَ إِلَى وَوَقَعَ فِي الْعُمْدَةِ بِلَفْظِ إِلَى وَهِيَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَن بن طَاوُسٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ بن طَاوُسٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ هَذَا وَاحِدٌ فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ الأَصْل فِي السُّجُود وَالْأنف تبع وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا جُعِلَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا لَكَانَتِ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُكْتَفَى بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ كَمَا يُكْتَفَى بِالسُّجُودِ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ وَقَدِ احْتُجَّ بِهَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْجَبْهَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَذَاكَ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ قَدْ لَا تُعَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْجَبْهَةِ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا تَقَارَبَ مَا فِي الْجَبْهَةِ أَمْكَنَ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ يَقِينًا وَأَمَّا الْعِبَارَةُ فَإِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ يُكْرَهُ وَقَدْ أَلْزَمَهُمْ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا تقدم وَنقل بن الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأحمد وَإِسْحَاق وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ
الصفحة 296