كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

مضى ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي قبله

(قَوْلُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ)
أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ الْإِثْمِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَوَاتِ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الْإِثْمَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ الَّذِي تَفُوتُهُ قَالَ بن بَزِيزَةَ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ قُلْتُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَسَقَطَ لِلْأَكْثَرِ لَفْظُ صَلَاةٍ وَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ فَكَأَنَّمَا قَوْلُهُ وُتِرَ أَهْلَهُ هُوَ بِالنَّصْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِوُتِرَ وَأُضْمِرَ فِي وُتِرَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي فَاتَتْهُ فَالْمَعْنَى أُصِيبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَتِرَكُمْ انْتَهَى وَقِيلَ وُتِرَ هُنَا بِمَعْنَى نُقِصَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ لِأَنَّ مَنْ رَدَّ النَّقْصَ إِلَى الرَّجُلِ نَصَبَ وَأَضْمَرَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَمَنْ رَدَّهُ إِلَى الْأَهْلِ رَفَعَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى سُلِبَ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى أُخِذَ فَيَكُونُ أَهْلُهُ هُوَ الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي أَيْضًا وَتَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتُ لَهُ قَتِيلًا أَوْ أَخَذْتُ مَالَهُ وَحَقِيقَةُ الْوَتْرِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الظُّلْمُ فِي الدَّمِ فَعَلَى هَذَا فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَالِ مَجَازٌ لَكِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَوْتُورُ هُوَ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِدَمِهِ تَقُولُ مِنْهُ وُتِرَ وَتَقُولُ أَيْضًا وَتَرَهُ حَقَّهُ أَيْ نَقَصَهُ وَقِيلَ الْمَوْتُورُ مَنْ أُخِذَ أَهْلُهُ أَوْ مَالُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَشَدُّ لِغَمِّهِ فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بِذَلِكَ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ غَمُّ الْإِثْمِ وَغَمُّ فَقْدِ الثَّوَابِ كَمَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْمَوْتُورِ غَمَّانِ غَمُّ السَّلْبِ وَغَمُّ الطَّلَبِ بِالثَّأْرِ وَقِيلَ مَعْنَى وُتِرَ أُخِذَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَصَارَ وَتْرًا أَيْ فَرْدًا وَيُؤَيِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ رِوَايَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّغْلِيظُ عَلَى مَنْ تَفُوتُهُ الْعَصْرُ وَأَن ذَلِك مُخْتَصّ بهَا وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ خَرَجَ جَوَابًا لِسَائِلٍ سَأَلَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَأُجِيبَ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إِلْحَاقَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ بِهَا وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُلْحَقُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ إِذَا عُرِفَتِ الْعِلَّةُ وَاشْتَرَكَا فِيهَا قَالَ وَالْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فَلَا يَلْتَحِقُ غَيْرُ الْعَصْرِ بِهَا انْتَهَى وَهَذَا لَا يدْفع الِاحْتِمَال وَقد احْتج بن عبد الْبر بِمَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً حَتَّى تَفُوتَهُ الْحَدِيثَ قُلْتُ وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ فَرَجَعَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَى تَعْيِينِ الْعَصْرِ وَرَوَى بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ لَأَنْ يُوتَرَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ خير لَهُ

الصفحة 30