كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(

قَوْله بَاب ذكر الْعشَاء وَالْعَتَمَة وَمن رَآهُ وَاسِعًا)
غَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثَيْنِ الْوَارِدَيْنِ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ غَلَبَةِ الْأَعْرَابِ عَلَى التَّسْمِيَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْعِشَاءِ عَلَى الْمَغْرِبِ وَثَبَتَ عَنْهُ إِطْلَاقُ اسْمِ الْعَتَمَةِ عَلَى الْعِشَاءِ فَتَصَرَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَتَيْنِ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِي الْعِشَاءِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ وَأَنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ وَلِابْنِ مَاجَهْ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِأَبِي يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَذَلِكَ زَادَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي حَدِيثِ بن عمر وَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ الْعَتَمَةَ صَاحَ وَغَضِبَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذَا الْمَوْقُوفَ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عُمَرَ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ كَابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ أطلق جَوَازه نَقله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَهُوَ الرَّاجِحُ وَسَيَأْتِي للْمُصَنف وَكَذَلِكَ نَقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ غَيْرِهِ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينِيَّةِ عَنْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا مَا هُوَ اسْمٌ لِفَعْلَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَهِيَ الحلبة الَّتِي كَانُوا يحلبونها فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ قُلْتُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تِلْكَ الْحَلْبَةَ إِنَّمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهَا فِي زَمَانِ الْجَدْبِ خَوْفًا مِنَ السُّؤَالِ وَالصَّعَالِيكِ فَعَلَى هَذَا فَهِيَ فَعْلَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ مَكْرُوهَةٌ لَا تُطْلَقُ عَلَى فَعْلَةٍ دِينِيَّةٍ مَحْبُوبَةٍ وَمَعْنَى الْعَتْمِ فِي الْأَصْلِ تَأْخِيرٌ مَخْصُوصٌ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ الْعَتَمَةُ بَقِيَّةُ اللَّبَنِ تَغْبِقُ بِهَا النَّاقَةُ بَعْدَ هَوًى مِنَ اللَّيْلِ فَسُمِّيَتِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يصلونها فِي تِلْكَ السَّاعَة وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَنْ أَوَّلُ مَنْ سَمَّى صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْعَتَمَةَ قَالَ الشَّيْطَانُ قَوْله وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي إِيرَادِ أَطْرَافِ أَحَادِيثَ مَحْذُوفَةِ الْأَسَانِيدِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ مُخَرَّجَةٌ فِي أَمْكِنَةٍ أُخْرَى حَاصِلُهَا ثُبُوتُ تَسْمِيَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ تَارَةً عَتَمَةً وَتَارَةً عِشَاءً وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهَا بَلْ فِيهَا إِطْلَاقُ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَائِدَةُ إِيرَادِهِ لَهَا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ لَا لِمَنْعِ تَأْخِيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ فِي بَابِ فَضْلِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَبِاللَّفْظِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَتَمَةُ فِي بَابِ الِاسْتِهَامِ فِي الْأَذَانِ قَوْله قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ قَوْله وَالِاخْتِيَارُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ هَذَا لَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ التَّرْجَمَةِ فَإِنَّ لَفْظَ التَّرْجَمَةِ يُفْهِمُ التَّسْوِيَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّرْجِيحِ قُلْتُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ فَالشَّيْئَانِ إِذَا كَانَا جَائِزَيِ الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَإِنَّمَا صَارَ عِنْدَهُ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَنَّ تَسْمِيَتَهَا عِشَاءً يُشْعِرُ بِأَوَّلِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَبِأَنَّ لَفْظَهُ فِي

الصفحة 45