كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

وَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنِ اللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إِلَى قَبْلَ الثُّلُثِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُسْتَحَبُّ إِلَى الثُّلُثِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ وَكَذَا قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالُوا إِنَّهُ مِمَّا يُفْتَى بِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ أَفْضَلِيَّةُ التَّأْخِيرِ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ التَّفْصِيلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله فَرْحَى جَمْعُ فَرْحَانٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَمِثْلُهُ وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى فِي قِرَاءَةٍ أَوْ تَأْنِيثُ فِرَاحٍ وَهُوَ نَحْوُ الرِّجَالُ فَعَلَتْ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَرَجَعْنَا وَفَرِحْنَا وَلِبَعْضِهِمْ فَرَجَعْنَا فَرَحًا بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى وَسَبَبُ فَرَحِهِمْ عِلْمُهُمْ بِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ نعْمَة عظمى مستلزمة للمثوبة الْحسنى مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ تَجْمِيعِهِمْ فِيهَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ)
قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً انْتَهَى وَمَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ قُيِّدَتْ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ وَهَذَا جَيِّدٌ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ عِلَّةَ النَّهْي خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْكَرَاهَةَ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَوَافَقَهُ بن السَّكَنِ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَقَدْ تَعَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وبن السَّكَنِ وَحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْمَذْكُورِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ الْآتِي فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا أَيِ الْمُحَادَثَةُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرٍ مَطْلُوبٍ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ فَيَخْرُجُ وَقْتُ الصُّبْحِ وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ بَابُ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ فِي التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ مُخْتَارًا وَقِيلَ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَرْكِ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ رَقَدَ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ

الصفحة 49