كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

فِي الْوَقْتِ أَدَاءً وَبَعْدَهُ قَضَاءً وَقِيلَ يَكُونُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْأَدَاءِ حُكْمًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْكُلَّ أَدَاءٌ وَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَقَلَ بَعْضُهُمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا الْقَدْرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَطِيفَةٌ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ طَرِيقَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي هَذَا الْبَابِ طَرِيقَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَمَنْ مَعَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ ذِكْرَ الْعَصْرِ وَقَدَّمَ فِي هَذَا ذِكْرَ الصُّبْحِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا قَدَّمَ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّقْدِيمُ مِنِ اهْتِمَامٍ وَاللَّهُ الْهَادِي للصَّوَاب

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً)
هَكَذَا تَرْجَمَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَحَالَ بِهِ عَلَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ كَلَفْظِ تَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ قَدَّمَ

[580] قَوْلَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى قَوْلِهِ رَكْعَةً وَقَدْ وَضَحَ لَنَا بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَقَعُ فِي تَرَاجِمِ الْبُخَارِيِّ مِمَّا يُتَرْجَمُ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ لَا يَقَعُ فِيهِ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِلَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ إِلَّا وَقَدْ وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُغَايِرِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَكْثَرَ اطِّلَاعَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ الْمَاضِي قَبْلَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ عَهْدِيَّةً فَيَتَّحِدَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا مُطْلَقٌ وَذَاكَ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرَ رَكْعَةٍ وَهَذَا فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً كَذَا قَالَ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَصَلَّى رَكْعَةً وَخَرَجَ الْوَقْتُ كَانَ مُدْرِكًا لِجَمِيعِهَا وَتَكُونُ كُلُّهَا أَدَاءً وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَهُ لِجَعْلِهِمَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَوَّلًا وَقَالَ التَّيْمِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مُدْرِكًا لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهُ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِذًا فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُ بَقِيَّتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ مَبَاحِثِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِالرَّكْعَةِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ وَكَانَ فِيهِ شُذُوذٌ قَدِيمٌ مِنْهَا إِدْرَاكُ الْإِمَامِ رَاكِعًا يُجْزِئُ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرُّكُوعَ وَقِيلَ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مَا لم يرفع بَقِيَّة من ائتم بِهِ رؤوسهم وَلَوْ بَقِيَ وَاحِدٌ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ إِذَا كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ أَدْرَكَ إِنْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ وَقِيلَ مَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إِذَا أَدْرَكَ السُّجُودَ أَكْمَلَ بَقِيَّةَ الرَّكْعَةِ مَعَهُمْ ثُمَّ يقوم فيركع فَقَط وتجزيه

الصفحة 57