كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

الرَّجُلُ صَلَّى صَلَاةَ التَّطَوُّعِ قَائِمًا وَجَالِسًا وَمُضْطَجِعًا وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَحَكَاهُ عِيَاضٌ وَجْهًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَبْهَرِيِّ مِنْهُمْ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ سُؤَالُ عِمْرَانَ عَنِ الرَّجُلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ بَلِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ قَاعِدًا لَا يَنْقُصُ أَجْرُهَا عَنْ صَلَاتِهِ قَائِمًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يصلى جَالِسا فَوضعت يَدي على رَأْسِي فَقَالَ مَالك يَا عَبْدَ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ عَدَّ الشَّافِعِيَّةُ فِي خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَنَفُّلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا قَدْ عَلَّلَهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِقَوْلِهِ لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ فَيَكُونُ هَذَا مِمَّا خُصَّ بِهِ قَالَ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنِّي ذُو عُذْرٍ وَقَدْ رَدَّ النَّوَوِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَائِدَةٌ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فَيُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِهِ جَوَازُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ فَعَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا وَقِيلَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ مُتَوَرِّكًا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَحَادِيثُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ نَائِمًا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ

(قَوْلُهُ بَابُ صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِالْإِيمَاءِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَيْضًا وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا فِيهِ مِثْلُ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أجر الْقَاعِد قَالَ بن رَشِيدٍ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى جَنْبٍ فَقَدِ احْتَاجَ إِلَى الْإِيمَاءِ انْتَهَى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ يَخْتَارُ جَوَازَ ذَلِكَ وَمُسْتَنَدُهُ تَرْكُ التَّفْصِيلِ فِيهِ مِنَ الشَّارِعِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَعَلَيْهِ شَرْحُ الْكِرْمَانِيِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ الْإِيمَاءُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ جَازَ التَّنَفُّلُ مُضْطَجِعًا بَلْ لَا بُدُّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَقِيقَةً وَقَدِ اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ تَرْجَمَ بِالْإِيمَاءِ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا ذِكْرُ النَّوْمِ فَكَأَنَّهُ صَحَّفَ

[1116] قَوْلَهُ نَائِمًا يَعْنِي بِنُونٍ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ النَّوْمِ فَظَنَّهُ بِإِيمَاءٍ يَعْنِي بِمُوَحَّدَةٍ مَصْدَرُ أَوْمَأَ فَلِهَذَا تَرْجَمَ بِذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ يُصِبْ فِي ظَنِّهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَحَّفَهُ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَغَيْرِهَا عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ نَائِمًا عِنْدِي أَيْ مُضْطَجِعًا فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ كُوشِفَ بِذَلِكَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ قَدْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ النَّائِمُ الْمُضْطَجِعُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ

الصفحة 586