كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِصَلَاتِهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغُرُوبَهَا وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَوَّاهُ بن الْمُنْذِرِ وَاحْتَجَّ لَهُ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَهِمَ عُمَرُ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا انْتَهَى وَسَيَأْتِي من قَول بن عُمَرَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا بعد ببابين وَرُبَّمَا قَوَّى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا الْأُخْرَى فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ قَصَدَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ نَهْيًا مُسْتَقِلًّا وَكَرِهَ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ قَصَدَ لَهَا أَمْ لَمْ يَقْصِدْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لِأَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَمَلَتْ نَهْيَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَلَّى حِينَئِذٍ قَضَاءً كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا النَّهْيُ فَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْوَهْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[583] قَوْلُهُ وَقَالَ حَدثنِي بن عُمَرَ هُوَ مَقُولُ عُرْوَةَ أَيْضًا وَهُوَ حَدِيثٌ آخَرُ وَقَدْ أَفْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ الْحَدِيثَانِ مَعًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ وَمُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ وَوَكِيعٍ وَمَالِكِ بْنِ سُعَيْرٍ وَمُحَاضِرٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ وَأَنَّهُ وَقَعَ لَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ قَوْلُهُ حَتَّى تَرْتَفِعَ جَعَلَ ارْتِفَاعَهَا غَايَةَ النَّهْيِ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَاضِيَ بِلَفْظِ حَتَّى تُشْرِقَ مِنَ الْإِشْرَاقِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَابَعَهُ عَبْدَةُ يَعْنِي بن سُلَيْمَانَ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْقَطَّانُ يَعْنِي تَابَعَ يَحْيَى الْقَطَّانَ عَلَى رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ وَرِوَايَةُ عَبْدَةَ هَذِهِ مَوْصُولَةٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِيهِ الْحَدِيثَانِ مَعًا وَقَالَ فِيهِ حَتَّى تَبْرُزَ بَدَلَ تَرْتَفِعَ وَقَالَ فِيهِ لَا تَحَيَّنُوا بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالنُّونِ وَزَادَ فِيهِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ فَالنَّهْيُ حِينَئِذٍ لِتَرْكِ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ وَقَدِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الشَّرْعُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيِّ حَيْثُ قَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ فِي أَوَائِلِ بَدْءِ الْخَلْقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ حَاجِبُ الشَّمْسِ أَيْ طَرَفُ قُرْصِهَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَوَاجِبُ الشَّمْسِ نَوَاحِيهَا

[584] قَوْلُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ أَيِ بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَدُّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ قَوْلُهُ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ مُحَصِّلُ مَا فِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْفِعْلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْوَقْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْبَيْعَتَيْنِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَعَلَى اللُّبْسَتَيْنِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا تقدم

الصفحة 60