كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

رِوَايَةٍ مُرْتَفِعَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوقت الْغُرُوب وَمَا قَارَبَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْهِيَّةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَلَازَمَهُ أَنْ لَا يَقْصِدَ لَهَا الْمُكَلَّفُ إِذِ الْعَاقِلُ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ

[587] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ هُوَ الْبَلْخِيُّ وَقِيلَ الْوَاسِطِيُّ وَلِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مُرَجِّحٌ وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ حُمْرَانَ وَخَالفهُم عُثْمَان بن عُمَرَ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فَقَالَا عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَالطَّرِيقُ الَّتِي اخْتَارَهَا الْبُخَارِيُّ أَرْجَحُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي التَّيَّاحِ فِيهِ شَيْخَانِ قَوْلُهُ يُصَلِّيهِمَا أَيِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلِلْحَمَوِيِّ يُصَلِّيهَا أَيِ الصَّلَاةَ وَكَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِهِ عَنْهَا أَوْ عَنْهُمَا وَكَلَامُ مُعَاوِيَةَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَنْ خَاطَبَهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّطَوُّعِ الرَّاتِبِ لَهَا كَمَا يُصَلِّي بَعْدَ الظُّهْرِ وَمَا نَفَاهُ مِنْ رُؤْيَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا قَدْ أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ لَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ لَكِنْ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْإِثْبَاتِ لَهَا سَبَبٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَأُلْحِقَ بِهَا مَا لَهُ سَبَبٌ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَالنَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا سَبَبَ لَهُ وَأَمَّا مَنْ يَرَى عُمُومَ النَّهْيِ وَلَا يَخُصُّهُ بِمَا لَهُ سَبَبٌ فَيَحْمِلُ إِنْكَارَ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَنْ يَتَطَوَّعُ وَيَحْمِلُ الْفِعْلَ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَلَا يَخْفَى رُجْحَانَ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[588] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَانَ وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ تَقَدَّمَ بِأَتَمِّ سِيَاقٍ فِي الْبَاب الَّذِي قبله

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلَاةَ إِلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ)
قِيلَ آثَرَ الْبُخَارِيُّ التَّرْجَمَةَ بِذِكْرِ الْمَذَاهِبِ عَلَى ذِكْرِ الْحُكْمِ لِلْبَرَاءَةِ مِنْ عُهْدَةِ بَتِّ الْقَوْلِ فِي مَوْضِعٍ كَثُرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَمُحَصِّلُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَتَرْجِعُ بِالتَّحْقِيقِ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَذَا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ مَثَلًا حَتَّى بَزَغَتِ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ جَارٍ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ وَأَمَّا هَذِهِ الصُّورَةُ النَّادِرَةُ فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً وَفِي الْجُمْلَةِ عَدُّهَا أَرْبَعَةً أَجْوَدُ وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ عَلَى شَرْطِهِ فَتَرْجَمَ عَلَى نَفْيِهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ حَدِيثُ عَقَبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ فَإِذَا أَقْبَلَ

الصفحة 62