كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَذَلِكَ بعد مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ قَوْلُهُ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا السَّبَبَ فِي تَأْخِيرِهِمُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا إِمَّا الْمُخْتَارُ كَمَا وَقَعَ لِعُمَرَ وَإِمَّا مُطْلَقًا كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ قَوْلُهُ مَا كِدْتُ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ لَفْظَةُ كَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ فَإِذَا قُلْتُ كَادَ زَيْدٌ يَقُومُ فُهِمَ مِنْهَا أَنَّهُ قَارَبَ الْقِيَامَ وَلَمْ يَقُمْ قَالَ وَالرَّاجِحُ فِيهَا أَنْ لَا تُقْرَنَ بِأَنْ بِخِلَافِ عَسَى فَإِنَّ الرَّاجِحَ فِيهَا أَنْ تُقْرَنَ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ قُلْتُ وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَهَلْ تَسُوغُ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى فِي مثل هَذَا أَولا الظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ عَنْ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ كَيْفَ وَقَعَتْ لَا الْإِخْبَارُ عَنْ عُمَرَ هَلْ تَكَلَّمَ بِالرَّاجِحَةِ أَوِ الْمَرْجُوحَةِ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى كَادَ الْمُقَارَبَةُ فَقَوْلُ عُمَرَ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ قُرْبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إِثْبَاتَهَا وَإِثْبَاتُ الْغُرُوبِ يَقْتَضِي نَفْيَهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ لِعُمَرَ ثُبُوتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَثْبُتِ الْغُرُوبُ اهـ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وُقُوعُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَقَعَ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كيدودته كَانَت عِنْد كَيْدُودَتَهَا قَالَ وَحَاصِلُهُ عُرْفًا مَا صَلَّيْتُ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ التَّقْرِيرَيْنِ مِنَ الْفَرْقِ وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْعُرْفِ مَمْنُوعٌ وَكَذَا الْعِنْدِيَّةُ لِلْفَرْقِ الَّذِي أَوْضَحَهُ الْيَعْمُرِيُّ مِنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ لِأَنَّ كَادَ إِذَا أُثْبِتَتْ نَفَتْ وَإِذَا نَفَتْ أُثْبِتَتْ كَمَا قَالَ فِيهَا الْمَعَرِّيُّ مُلْغِزًا إِذَا نُفِيَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَثْبَتَتْ وَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ هَذَا إِلَى مَا فِي تَعْبِيرِهِ بِلَفْظِ كَيْدُودَةٍ مِنَ الثِّقَلِ وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ اخْتُصَّ بِأَنْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشُّغْلُ وَقَعَ بِالْمُشْرِكِينَ إِلَى قُرْبِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَكَانَ عُمَرُ حِينَئِذٍ متوضأ فَبَادَرَ فَأَوْقَعَ الصَّلَاةَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قَدْ شَرَعَ يَتَهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَامَ عِنْدَ الْإِخْبَارِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْوُضُوءِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ نِسْيَانًا وَاسْتُبْعِدَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنَ الْجَمِيعِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمْعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ هَلْ عَلِمَ رَجُلٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ اه وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِتَكَلُّفٍ وَقِيلَ كَانَ عَمْدًا لِكَوْنِهِمْ شَغَلُوهُ فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْرَبُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِي صَلَاة الْخَوْف فرجالا أَو ركبانا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحُكْمِ هَلْ نُسِخَ أَمْ لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ بُطْحَانَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَادٍ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ قَوْلُهُ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ الَّذِي فَاتَهُمُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَأَنَّهُمْ صَلَّوْا بعد هوى من اللَّيْل وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَرْبَعٍ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ الْعِشَاءَ لَمْ تَكُنْ فَاتَتْ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ مِنَ النَّاسِ مَنْ رَجَّحَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَصرح بذلك بن الْعَرَبِيّ فَقَالَ

الصفحة 69