كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ وَلَا يُعِيدُ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُنِيرِ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْحُكْمِ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ وَلِكَوْنِهِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ إِذِ الْوَاجِبُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ لَا أَكْثَرُ فَمَنْ قَضَى الْفَائِتَةَ كَمَّلَ الْعَدَدَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَلِكَوْنِهِ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْخِطَابِ لِقَوْلِ الشَّارِعِ فَلْيُصَلِّهَا وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً وَقَالَ أَيْضًا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ فَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْحَصْرِ أَنْ لَا يَجِبَ غَيْرُ إِعَادَتِهَا وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَاةً أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي كَانَ صَلَّاهَا مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعِيدُ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا فَإِنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّ ظَاهِرَهُ إِعَادَةُ الْمَقْضِيَّةِ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِهَا وَعِنْدَ حُضُورِ مِثْلِهَا مِنَ الْوَقْتِ الْآتِي وَلَكِنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا أَيِ الصَّلَاةَ الَّتِي تَحْضُرُ لَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعِيدَ الَّتِي صَلَّاهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مِنْ غَدٍ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِظَاهِرِهِ وُجُوبًا قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ فِي الْقَضَاءِ انْتَهَى وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ أَيْضًا بَلْ عَدُّوا الْحَدِيثَ غَلَطًا مِنْ رَاوِيهِ وَحَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْضِيهَا لِوَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الرِّبَا وَيَأْخُذُهُ مِنْكُمْ قَوْلُهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ أَيِ النَّخَعِيُّ وَأَثَرُهُ هَذَا مَوْصُولٌ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مَنْصُورٍ وَغَيره عَنهُ
[597] قَوْله عَن همام هُوَ بن يَحْيَى وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هَمَّامٍ بِلَفْظِ فَلْيُصَلِّهَا وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْمُرَادِ وَزَادَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَوْ نَامَ عَنْهَا وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ الضُّبَعِيِّ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوُهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِنْهُ الْقَائِلُ إِنَّ الْعَامِدَ لَا يَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْسَ لَا يُصَلِّي وَقَالَ مَنْ قَالَ يَقْضِي الْعَامِدُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى النَّاسِي مَعَ سُقُوطِ الْإِثْمِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَالْعَامِدُ أَوْلَى وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَامِدِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ نَسِيَ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يُطْلَقُ عَلَى التَّرْكِ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ ذُهُولٍ أَمْ لَا وَمِنْهُ قُوْلُهُ تَعَالَى نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فنسيهم قَالَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ لَا كَفَّارَةَ لَهَا والنائم والناسى لَا إِثْم عَلَيْهِ قلت وَهُوَ بَحْثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ بِذِكْرِ النَّائِمِ ثَابِتٌ وَقَدْ قَالَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ لَهَا وَالْكَفَّارَةُ قَدْ تَكُونُ عَنِ الْخَطَأِ كَمَا تَكُونُ عَنِ الْعَمْدِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْعَامِدَ لَا يَقْضِي لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ أَخَفُّ حَالًا مِنَ النَّاسِي بَلْ يَقُولُ إِنَّهُ لَوْ شُرِعَ لَهُ الْقَضَاءُ لَكَانَ هُوَ وَالنَّاسِي سَوَاءً وَالنَّاسِي غَيْرُ مَأْثُومٍ بِخِلَافِ الْعَامِدِ فَالْعَامِدُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ النَّاسِي فَكَيْفَ يَسْتَوِيَانِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِثْمَ الْعَامِدِ بِإِخْرَاجِهِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَوْ قَضَاهَا بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَامِدِ بِالْخِطَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ وَتَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِأَدَائِهِ فَيَأْثَمُ بِإِخْرَاجِهِ لَهَا عَنِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ لَهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَبُ بِأَدَائِهَا فَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ مَعَ
الصفحة 71
597