كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

(قَوْلُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ)
أَيْ بَعْدَ صَلَاتِهَا قَالَ عِيَاضٌ السَّمَرُ رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سِرَاجٍ الصَّوَابُ سُكُونُهَا لِأَنَّهُ اسْمُ الْفِعْلِ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ اعْتِمَادُ السَّمَرِ لِلْمُحَادَثَةِ وَأَصْلُهُ مِنْ لَوْنِ ضَوْءِ الْقَمَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّمَرِ فِي التَّرْجَمَةِ مَا يَكُونُ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا اخْتِصَاصَ لِكَرَاهَتِهِ بِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَلْ هُوَ حَرَامٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا مَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ السَّامِرُ مِنَ السَّمَرِ إِلَخْ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلسَّامِرِ ذِكْرٌ فِي التَّرْجَمَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى سامرا تهجرون وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله هَا هُنَا أَيْ فِي الْآيَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ بَعْدَ الْعِشَاءِ يُسَمَّى السَّمَرُ وَالسَّمَرُ وَالسَّامِرُ مُشْتَقَّانِ مِنَ السَّمَرِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ ظَهَرَ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هُنَا وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إِذَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظَةٌ تُوَافِقُ لَفْظَةً فِي الْقُرْآنِ يُسْتَغْنَى بِتَفْسِيرِ تِلْكَ اللَّفْظَةِ مِنَ الْقُرْآن وَقد استقرىء لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إِذَا مَرَّ لَهُ لَفْظٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَتَكَلَّمُ عَلَى غَرِيبِهِ وقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي بَابِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَمَوْضِعُ الْحَاجَةِ مِنْهُ هُنَا

[599] قَوْلُهُ وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا مُطْلَقًا أَوْ عَنِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَالسَّمَرُ بَعْدَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى النَّوْمِ عَنِ الصُّبْحِ أَوْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوْ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيْلِ وَنَوْمًا آخِرَهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ ذَلِكَ فَقَدْ يُفَرِّقُ فَارِقٌ بَيْنَ اللَّيَالِي الطِّوَالِ وَالْقِصَارِ وَيُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الْكَرَاهَةُ علىالاطلاق حَسْمًا لِلْمَادَّةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا شُرِعَ لِكَوْنِهِ مَظَنَّة قد يسْتَمر فَيصير مئنة وَالله أعلم

الصفحة 73