كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)
بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَحَكَى ذَلِكَ بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ لَكِنْ فِي سُنَنِ أبي دَاوُد عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ سَلَفًا فِي الْجُمْلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوْلُ الْخَاصُّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا يَعْرِفُ الْعَامَّةُ التَّثْوِيبَ إِلَّا قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِقَامَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله أَقْبَلَ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَوَسْوَسَ قَوْله أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بِضَمِّ الطَّاءِ قَالَ عِيَاضٌ كَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَضَبَطْنَاهُ عَنِ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ وَأَصْلُهُ مِنْ خَطَرَ الْبَعِيرُ بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَمِنَ الْمُرُورِ أَيْ يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ فَيُشْغِلُهُ وَضَعَّفَ الْحَجَرِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الضَّمَّ مُطْلَقًا وَقَالَ هُوَ يَخْطِرُ بِالْكَسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَوْله بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ أَيْ قَلْبِهِ وَكَذَا هُوَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ الْبَاجِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِخْلَاصِهِ فِيهَا قَوْله يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَاذْكُرْ كَذَا وَهِيَ لِمُسْلِمٍ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي صَلَاةِ السَّهْوِ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنِ الْأَعْرَجِ فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ وَذَكَّرَهُ مِنْ حَاجَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ قَوْله لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ أَيْ لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَنْبَطَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلَّذِي شَكَا إِلَيْهِ أَنَّهُ دَفَنَ مَالًا ثُمَّ لَمْ يَهْتَدِ لِمَكَانِهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَحْرِصَ أَنْ لَا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَفَعَلَ فَذَكَرَ مَكَانَ الْمَالِ فِي الْحَالِ قِيلَ خَصَّهُ بِمَا يُعْلَمُ دُونَ مَا لَا يُعْلَمُ لِأَنَّهُ يَمِيلُ لِمَا يُعْلَمُ أَكْثَرَ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُذَكِّرُهُ بِمَا سَبَقَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لِيَشْتَغِلَ بَالُهُ بِهِ وَبِمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ لِيُوقِعَهُ فِي الْفِكْرَةِ فِيهِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَالْعِلْمِ لَكِنْ هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ التَّفَكُّرُ فِي مَعَانِي الْآيَاتِ الَّتِي يَتْلُوهَا لَا يَبْعُدُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَقْصُ خُشُوعِهِ وَإِخْلَاصِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ قَوْله حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ كَذَا لِلْجُمْهُورِ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَمَعْنَى يَظَلُّ فِي الْأَصْلِ اتِّصَافُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ نَهَارًا لَكِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى يَصِيرُ أَوْ يَبْقَى وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ يَضِلُّ بِكَسْرِ السَّاقِطَةِ أَيْ يَنْسَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَن تضل إِحْدَاهمَا أَوْ بِفَتْحِهَا أَيْ يُخْطِئُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يضل رَبِّي وَلَا ينسى وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَوْله لَا يُدْرَى وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَلَاةِ السَّهْوِ إِنْ يَدْرِي بِكَسْرِ هَمْزَةِ أَن وَهِي نَافِيَة بِمَعْنى لَا وَحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْأَكْثَرِ فِي الْمُوَطَّأِ فَتْحَ الْهَمْزَةِ وَوَجَّهَهُ بِمَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَيْسَتْ رِوَايَةُ الْفَتْحِ لِشَيْءٍ إِلَّا مَعَ رِوَايَةِ الضَّادِ السَّاقِطَةِ فَتَكُونُ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَمَفْعُولُ ضَلَّ أَنْ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ يَضِلَّ عَنْ دِرَايَتِهِ قَوْله كَمْ صَلَّى وَلِلْمُصَنِّفِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ السَّهْوِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي هُرُوبِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ دُونَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَقِيلَ يَهْرُبُ حَتَّى لَا يَشْهَدَ لِلْمُؤَذِّنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ كَمَا يَأْتِي بَعْدُ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِإِيرَادِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ خَاصٌّ وَأَنَّ الَّذِي يَشْهَدُ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ الشَّهَادَةُ كَمَا سَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ وَرَدَّهُ لِمَا جَاءَ مِنَ الْآثَارِ بِخِلَافِهِ وَبَالَغَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي تَقْرِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَقَامُ
الصفحة 86
597