كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

الْمُرَادُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ جِنٌّ لِأَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ عَنِ الْأَبْصَارِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ كُلُّ مَا يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ مِنَ الْحَيَوَانِ حَتَّى مَا لَا يَعْقِلُ دُونَ الْجَمَادَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنع عقلا وَلَا شرعا قَالَ بن بَزِيزَةَ تَقَرَّرَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ السَّمَاعَ وَالشَّهَادَةَ وَالتَّسْبِيحَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ فَهَلْ ذَلِكَ حِكَايَةٌ عَنْ لِسَانِ الْحَالِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ نَاطِقَةٌ بِلِسَانِ حَالِهَا بِجَلَالِ بَارِيهَا أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهَا الْحَيَاةَ وَالْكَلَامَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ النَّارِ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ الْبَقَرَةَ قَالَتْ إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ اه وَنَقَلَ بن النين عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ إِنَّ قَوْلَهُ هُنَا وَلَا شَيْءَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْآيَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَمَا عَرَفْتُ وَجْهَ هَذَا التَّعَقُّبِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاحْتِمَالِ وَنَقْلِ الِاخْتِلَافِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْآيَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي كَوْنِهَا عَلَى عُمُومِهَا وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي تَسْبِيحِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ هَلْ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ السِّرُّ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ جَرَتْ عَلَى نَعْتِ أَحْكَامِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَوْجِيهِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَالشَّهَادَةِ قَالَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ اشْتِهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ قَوْمًا فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ بِالشَّهَادَةِ آخَرِينَ قَوْله إِلَّا شَهِدَ لَهُ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا يَشْهَدُ لَهُ وَتَوْجِيهُهُمَا وَاضِحٌ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ أَيْ هَذَا الْكَلَامَ الْأَخِيرَ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَا يَسْمَعُ إِلَخْ قُلْتُ وَقَدْ أَوْرَدَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الشَّرْحِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي سعيد انك رجل تجب الْغم وَسَاقَهُ إِلَى آخِرِهِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ وامامه وَالْقَاضِي حُسَيْن وبن دَاوُدَ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرُهُمْ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَأَجَابَ بن الرِّفْعَةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ قَوْلَ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِدٌ عَلَى كُلِّ مَا ذُكِرَ اهـ وَلَا يخفى بعده وَقد رَوَاهُ بن خُزَيْمَة من رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَلَفْظُهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِذَا كُنْتَ فِي الْبَوَادِي فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَسْمَعُ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَذَّنْتَ فَارْفَعْ صَوْتَكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ فَذَكَرَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ مَوْقُوفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِيَكْثُرَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَا لَمْ يُجْهِدْهُ أَوْ يَتَأَذَّى بِهِ وَفِيهِ أَنَّ حُبَّ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّبَدِّي وَمُسَاكَنَةِ الْأَعْرَابِ وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْأَسْبَاب بِشَرْط حَظّ من الْعلم وَأمن غَلَبَةِ الْجَفَاءِ وَفِيهِ أَنَّ أَذَانَ الْفَذِّ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي قَفْرٍ وَلَوْ لَمْ يُرْتَجَ حُضُورُ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ لِأَنَّهُ إِنْ فَاتَهُ دُعَاءُ الْمُصَلِّينَ فَلَمْ يَفُتْهُ اسْتِشْهَادُ مَنْ سَمعه من غَيرهم

الصفحة 89