كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 2)

وَتَكْمِلَاتِهِ وَأَمَّا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يُصَلُّوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَوُوا فِي الْفَضْلِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ إِذَا لَمْ يَتَرَاضَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ لِمَنْ قَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِصِحَّةِ اسْتِهَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فِي مُقَابَلَةِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ الِاسْتِهَامَ عَلَى الْأَذَانِ يَتَوَجَّهُ مِنْ جِهَةِ التَّوْلِيَةِ مِنَ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَزِيَّةِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِهَامِ هُنَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَأَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثٍ لَفْظُهُ لَتَجَالَدُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ لَكِنِ الَّذِي فَهِمَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَوْلَى وَلِذَلِكَ اسْتَشْهَدَ لَهُ بِقِصَّةِ سَعْدٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ لَكَانَتْ قُرْعَةً قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ لِيَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ الْأَذَانَ وَالصَّفَّ الْأَوَّلَ وَبِذَلِكَ يَصِحُّ تَبْوِيبُ المُصَنّف وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا عَلَى النِّدَاءِ وَهُوَ حَقُّ الْكَلَامِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَنَازَعَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى النِّدَاءُ ضَائِعًا لَا فَائِدَةَ لَهُ قَالَ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يفعل ذَلِك يلق أثاما أَيْ جَمِيعَ ذَلِكَ قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا فَهَذَا مُفْصِحٌ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ قَوْلُهُ التَّهْجِيرُ أَيِ التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَحَمَلَهُ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا الْمُرَادُ الْإِتْيَانُ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّهْجِيرَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِبْرَادِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الرِّفْقُ وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ قَائِلَتَهُ وَقَصَدَ إِلَى الْمَسْجِد لينتظر الصَّلَاة فَلَا يخفى مَاله من الْفضل قَوْله لاستبقوا إِلَيْهِ قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِبَاقِ مَعْنًى لَا حِسًّا لِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ عَلَى الْأَقْدَامِ حِسًّا تَقْتَضِي السُّرْعَةَ فِي الْمَشْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ انْتَهَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ فَضْلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ قَرِيبًا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمُرَادِ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْإِمَامَة أَن شَاءَ الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ)
أَيْ فِي أَثْنَائِهِ بِغَيْرِ أَلْفَاظِهِ وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي عَدَمِ الْجَزْمِ بِالْحُكْمِ الَّذِي دَلَالَتُهُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ لَكِنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِيهِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يخْتَار الْجَوَاز وَحكى بن الْمُنْذِرِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا عَنْ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَعَن النَّخعِيّ وبن سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ الْكَرَاهَةُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ الْمَنْعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ يُكْرَهُ إِلَّا إِنْ كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذر لظَاهِر حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَدْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ بَلِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مَشْرُوعٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَذَانِ فِي

الصفحة 97