كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 2)

فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
(فإن طلقها) أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله (أو تسريح بإحسان) أي فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث سواء كان قد راجعها أم لا وسواء انقضت عدتها في صورة عدم الرجعة أم لا (فلا تحلّ له من بعد) الحكمة في شرع هذا الحكم الردع عن المسارعة إلى الطلاق وعن العود إلى الطلقة الثالثة والرغبة فيها.
(حتى تنكح زوجاً غيره) أي حتى تتزوج بزوج آخر غير المطلق بعد انقضاء عدتها من الأول فيجامعها، والنكاح يتناول العقد والوطء جميعاً والمراد هنا الوطء، وقد أخذ بظاهر الآية سعيد بن المسيب ومن وافقه قالوا: كفى مجرد العقد لأنه المراد بقوله حتى تنكح زوجاً غيره، وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا بد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من اعتبار ذلك وهو زيادة يتعين قبولها، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ومن تابعه.
وفي الآية دليل على أنه لابد أن يكون ذلك نكاحاً شرعياً مقصوداً لذاته لا نكاحاً غير مقصود لذاته بل حيلة للتحليل وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأول، فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله، وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك.

الصفحة 25