كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 2)

وقوله: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [9] يقول: أما يعلمونَ أنهم حيثما كانوا فهم يرون بين أيديهم من الأرض والسماء مثل الَّذِي خلفهم، وأنهم لا يخرجون منها.
فكيف يأمنون أن نخسف بِهم الأرض أو نُسقط عليهم من السماء عذابًا.
وقوله: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [10] اجتمعت القراء الَّذِينَ يُعرفونَ عَلَى تشديد (أَوِّبِي) ومعناهُ: سبّحي. وقرأ بعضهم «1» (أُوبِي مَعَهُ) من آب يؤوب أي تصرّفى معه. و (الطَّيْرَ) منصوبة عَلَى جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: ولقد آتينا داود منا فضلًا. وسخَّرنا لَهُ الطير.
فيكون مثل قولك: أطعمته طعامًا وماءً، تريدُ: وسقيته ماءً. فيجوز ذَلِكَ. والوجهُ الآخر بالنداء، لأنك إِذَا قلت: يا عَمْرو والصَلْت أقبِلا، نصبت الصلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها، فإذا فقدتها كَانَ كالمعدولِ عَن جهته فنُصب. وقد يَجوز رفعه عَلَى أن يتبع ما قبله. ويَجوز رفعه عَلَى: أوِّبي أنت «2» والطير. وأنشدني بعض العرب فِي النداء إِذَا نُصب لفقده يا أيّها:
ألا يا عَمْرو والضحاك سِيرَا ... فقد جاوزتما خَمرَ الطريقِ
الخَمَر: ما سترك من الشجر وغيرها (وقد يجوز «3» ) نصب (الضحاك) ورفعه. وقال الآخر:
يا طلحة الكامل وابن الكامل
والنعت يجري فِي الحرف المنادي، كما يجري المعطوف: يُنصَب ويرفع، ألا ترى أنك تَقُولُ:
إن أخاك قائم وزيد، وإن أخاك قائم [و «4» ] زيدا «5» فيُجرى المعطوف فِي إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل.
وقوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أسِيلَ لَهُ الحديد، فكان يعمل بِهِ ما شاء. كما يعمل بالطين.
__________
(1) هو الحسن كما فى الإتحاف.
(2) أي بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله: «أوبى» .
(3) ش، ب: «فيجوز» .
(4) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت.
(5) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت.

الصفحة 355