كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 2)

وقوله: (آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) والمعنى: عَن أيمانِهم وشمائلهم. والجنتان مرفوعتان لأنهما تفسير للآية. ولو كَانَ أحد الحرفين «1» منصوبًا بكان لكان صوابا.
وقوله: (وَاشْكُرُوا لَهُ) انقطع هاهنا الكلام (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هَذِه بلدة طيبة ليست بسبخة.
وقوله: سَيْلَ الْعَرِمِ [16] كانت مُسَنَّاة «2» كانت تحبس الماء عَلَى ثلاثة أبواب منها، فيسقونَ من ذَلِكَ الماء من الباب الأول، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الآخر، فلا بنفد حَتَّى يثوب الماء من السنة المقبلة. وكانوا أنعم قوم عيشًا. فلما أعرضوا وجحدوا الرسل بثق الله عليهم الْمُسَنَّاة، فغرَّقت أرضهم ودفن بيوتَهم الرمل، ومُزّقوا كل مُمَزّق، حَتَّى صاروا مثلًا عند العرب. والعربُ تَقُولُ:
تفرقوا أيادي سبا وأيدي سَبًا قَالَ الشاعر «3» :
عينًا ترى النّاس إليها نَيْسَبَا ... من صَادرٍ ووارِدٍ أيدي سَبَا
يتركونَ همزها لكثرة ما جرى عَلَى ألسنتهم ويُجرونَ سَبَا، ولا يُجرونَ: من لَمْ يُجر ذهب إلى البلدة. ومن أجرى جعل سَبَا رجلًا أو جبلًا، ويهمز. وهو فِي القراءة كَثِير بالهمز لا أعلم أحدًا ترك همزه أنشدني:
الواردونَ وتَيْم فِي ذرى سبأٍ ... قد عَضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجواميس
وقوله (ذَواتَيْ أُكُلٍ) يثقّل الْأُكُل. وخفّفه بعض «4» أهل الحجاز. وقد يقرأ بالإضافة «5»
__________
(1) يريد آية وجنتان. وقد قرأ ابن أبى عبلة «جنتين» كما فى البحر 7/ 270. [.....]
(2) بناء فى الوادي ليرد الماء، وفيه مفاتح للماء بقدر ما يحتاج إليه.
(3) هو دكين الراجز. والنيسب: الطريق المستقيم الواضح يريد سالكين هذا الطريق. وفى اللسان (نسب) عن ابن برى أن الذي فى رجز دكين:
ملكا ترى الناس إليه نيسبا ... من داخل وخارج أيدى سبا
ويروى: من صادر أو وراد.
(4) هما نافع وابن كثير مع التنوين.
(5) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب.

الصفحة 358