كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 2)

كأنك قلت: ما يوحى إلي إلا الإنذار. وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إليّ إلا لأني نذير ونبي فإذا ألقيتَ اللام كَانَ موضع (أنَّما) نصبًا. ويكون فِي هَذَا الموضع: ما يوحى إليّ إلا أنك نذير مبين لأن المعنى حكاية، كما تَقُولُ فِي الكلام: أخبروني أني مسيء وأخبروني أنك مسيء، وهو كقوله:
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا ... إِنَّا رأينا رجلًا عُرْيَانَا
والمعنى: أخبرانا أنهما رأيا، فجازَ ذَلِكَ لأن أصله الحكاية.
وقوله: بيدَيّ اسْتكبرت اجتمع القراء عَلَى التثنية ولو قرأ قارئ (بيدي) يريد يدًا عَلَى واحدة كَانَ صدابا كقول الشاعر:
أيها المبتغى فناء قريشٍ ... بيد الله عُمرها والفناء
والواحد من هَذَا يكفي من الاثنين، وكذلك العينان والرجلان واليدان تكتفي إحداهما من الأخرى لأن معناهما واحد.
وقوله: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ [84] قرأ الْحَسَن وأهل الحجاز بالنصب قيهما. وقرأ الأعمش وَعَاصِم وأكبر منهم «1» : ابن عباس ومجاهد بالرفع فِي الأولى والنصب فِي الثانية.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهرام- وَكَانَ شيخًا يقرىء فِي مسجد المطمورة ومسجد الشعبيين- عَن أبان بن تَغْلِب عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فالحقُّ مني والحقَّ أقولُ) : وأقول الحقَّ. وهو وجه: ويكون رفعه عَلَى إضمار: فهو الحقّ.
وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: فأنا الحقُّ. وأقولُ الْحَقَّ. وقد يكون رفعه بتأويل جَوابَه لأن العرب تَقُولُ: الحقُّ لأقومَنَّ، ويقولون: عَزْمَةٌ صادقة لآتينَّك لأن فِيهِ تأويل: عَزْمة صادقة أن آتيك.
__________
(1) كذا: والأولى «منهما» .

الصفحة 412