كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 2)

أحدهما: أن العرب إِذَا أخبرت عَن رجل بفعلين رَدّوا الآخر بِثُمَّ إِذَا كَانَ هُوَ الآخر فِي المعنى. وربما جعلوا (ثُمَّ) فيما معناهُ التقديم ويَجعلونَ (ثُمَّ) من خبر المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ: قد بلغني ما صنعت يومك هَذَا، ثُمَّ ما صنعت أمس أعجب. فهذا نَسَق من خبر المتكلم.
وتقول: قد أعطينك اليوم شيئًا، ثُمَّ الَّذِي أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذَلِكَ.
والوجه الآخر: أن تجعل خَلْقَه الزوج مردودًا عَلَى (وَاحدة) كأنه قَالَ: خلقكم من نفسٍ وحدها، ثُمَّ جعل منها زوجها. ففي (واحدةٍ) معنى خَلقها واحدة.
قَالَ: أنشدني بعضُ العرب:
أعددتَه للخَصْم ذي التعدّي ... كوّحتَه منك بدون الْجَهْدِ «1»
ومعناهُ الَّذِي إِذَا تعدى كوَّحتَه، وكوَّحته: غلبته وقوله: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [7] يقول: يرضى الشكر لكم. وهذا مثل قوله:
(فَاخْشَوْهُمْ «2» فَزادَهُمْ إِيماناً) أي فزادهم قولُ الناس، فإن قَالَ قائل: كيف قال (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) وقد كفروا؟ قلتُ: إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر: أن يكفروا. وليسَ معناهُ الكفر بعينه. ومثله مما يبيّنه لك أنك تَقُولُ: لست أحب الإساءة، وإني لأحب أن يُسيء فلان فيُعذَّب «3» فهذا «4» مما يبيّن لك معناهُ.
وقوله: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [8] .
يقول: ترك الَّذِي كَانَ يدعوه إِذَا «5» مسّه، الضر يريد الله تعالى. فإن قلت: فهلّا قيل: نسى من
__________
(1) ورد فى اللسان (كوح) عن أبى عمرو.
(2) الآية 173 سورة آل عمران.
(3) ش: «ويعذب» .
(4) ش: ب «وهذا» .
(5) ا: «إذ» .

الصفحة 415