كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 2)

الشيء المعروف معناهُ وإن تُرِكَ الجواب قَالَ الشَّاعِر «1» :
فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سِوَاك ولكن لَمْ نجد لك مَدْفَعا
وقال الله- تبارك وتعالى وهو أصدق من قول الشاعر-: (وَلَوْ أَنَّ «2» قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) فلم يؤت «3» لَهُ بِجوابٍ والله أعلم. وقد يفسره بعض النحويين يعني أن جوابه «4» : (وَهُمْ يكفرون ولو أنّ قرآنا) والأوَّل أشبه بالصواب. ومثله: (وَلَوْ تَرى «5» إِذِ الْمُجْرِمُونَ) (وَلَوْ يَرَى «6» الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقوله فِي الزمر: (أَمَّنْ «7» هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ولم يؤت لَهُ بِجواب. وكفى «8» قوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) من ذَلِكَ. فهذا مما تُركَ جوابه، وكفى منه ما بعده، كذلك قَالَ فِي هود: (مَثَلُ «9» الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا) ولم يقل: هَلْ يستوون. وَذَلِكَ أن الأعمى والأصمَّ من صفة واحد والبصير والسميع من صفة واحدٍ كقول القائل: مررتُ بالعاقل واللبيب وهو يعني واحدًا. وقال الشاعر «10» :
وما أدْرِي إِذَا يمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخير أيُّهما يليني
أألخير الَّذِي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي لا يأتلينى
__________
(1) أي امرؤ القيس. يريد: لو شىء أتانا رسوله سواك دفعناه بدليل قوله: ولكن لم نجد لك مدفعا. وفي الديوان 242: «أجدك لو شىء ... »
(2) الآية 31 سورة الرعد.
(3) أي أن الجواب محذوف. وهو (لكان هذا القرآن) .
(4) هذا على أن جواب الشرط قد يتقدم وهو مذهب كوفى. وعند غيرهم أنه دليل الجواب.
(5) الآية 12 سورة السجدة. والجواب محذوف تقديره: لرأيت أمرا فظيعا.
(6) الآية 93 سورة الأنعام والجواب محذوف تقديره: لرأيت أمرا عظيما.
(7) الآية 9 سورة الزمر.
(8) فالجواب تقديره: كالعاصى. والمراد نفى استوائهما كما نفى استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
(9) فى الآية 24 [.....]
(10) انظر ص 231 من الجزء الأول من هذا الكتاب.

الصفحة 7