قَالَ: أيُّهما وإنما ذكر الخير وحده لأن المعنى يُعرف: أن المبتغي للخير مُتّق للشر وكذلك قَوْل الله جل ذكره: (سَرابِيلَ «1» تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [أي] وتقي البرد. وهو كذلك وإن لَمْ يُذكر.
وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) فيقال: مِن أصناف الكفار. ويُقال:
إن كلَّ كافر حِزْب.
وقوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ [20] .
هم رءوس الْكَفَرة الَّذِينَ يُضلون. وقوله: (مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على وجهين. فسَّره بعض المفسرين: يضاعف لَهُم العذاب بِما كانوا يستطيعون السمع «2» ولا يفعلون. فالباء حينئذ كَانَ ينبغي لَهَا أن تدخل، لأنه قَالَ: (وَلَهُمْ «3» عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فِي غير موضع من التنزيل أدخلت فِيهِ الباء، وسقوطها جائز كقولك «4» فِي الكلام: بأحسن ما كانوا يعملونَ وأحسنَ ما كانوا يعملون. وتقول فِي الكلام: لأجزيَّنك بِما عملت، وما عملت. ويُقال: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كانوا يبصرون: أي أضلَّهُم الله عَن ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ.
وقوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ) [22] كلمة كانت فِي الأصل بِمنزلة لا بُدَّ أنَّك قائمٌ ولا محالة أنَّك ذاهب، فجرت على ذَلِكَ، وكثر استعمالهم إيَّاها، حَتَّى صَارت بِمنزلة حقًّا ألا ترى أن العرب تَقُولُ:
لا جَرَمَ لآتينك، لا جرمَ قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسرونَ بِمعنى الحقِّ. وأصلها من جرمت
__________
(1) الآية 81 سورة النحل.
(2) سقط في ا.
(3) الآية 10 سورة البقرة.
(4) الأولى: كقوله تعالى. فإن الاستعمالين واردان فى الكتاب العزيز فالأول فى الآية 96 سورة النحل، والثاني فى الآية 7 سورة العنكبوت.