كتاب النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة (اسم الجزء: 2)

107- ((مَالِي لَمْ أرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكاً قَطُّ؟! قَالَ جِبريلُ: مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنذُ خُلِقَتِ النَّارُ)) . (¬1)
108- ((فَقِيهٌ وَاحدٌ أشَدُّ عَلَى الشَّيطَانِ مِنْ أَلفِ عَابدٍ)) . (¬2)
¬__________
(¬1) 107- ضعيف.
أخرجه أخمد (3/ 224) وفي ((الزهد)) ، وابن أبي الدنيا في ((كتاب الخائفين)) ، - كما في ((تخريج الإحياء)) للعراقي (4/181) ، وأبو الشيخ في ((العظمة)) (ق / 64 / 2- 65 / 1) والآجري في ((الشريعة)) (395) ، والطبراني - كما في ((الفتح)) (6/307) -، من طريق إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، أنه سمع حميد بن عبيد مولى بني المعلى، يقول: سمعت ثابتا البناني، يحدث عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل - عليه السلام -: ما لي لم أر ميكائيل ... الحديث.
قال العراقي: ((إسناده جيد)) !!
وحسن إسناده السيوطي في ((الجامع الصغير)) !!
قلت: كذا قالا، وليس بصواب، فإن في الحديث علتين:
الأولى: إن إسماعيل بن عياش إن روى عن المدنيين، تقع المناكير في روايته. وعمارة بن غزية مدني.
الثانية: أن حميد بن عبيد ترجمه الحافظ في ((التعجيل)) (234) .
وقال: ((لا يدري من هو)) .
وقول الحافظ عقبه: ((هو مدني من موالى الأنصار)) لا يفيد في تعريفه شيئا 0
وقال الهيثمي (10/385) : ((رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفة وبقية رجاله ثقات)) .
ونقل المناوي في ((الفيض)) (5 / 452 - 453) كلام الهيثمي وقال: ((وبه يعرف ما في رمزه لحسنه)) أ. هـ‍ يعنى به الحافظ السيوطي والله أعلم.
(¬2) 108- باطل.
أخرجه الترمذي (2681) ، وابن ماجة (222) ، والبخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/ 1/ 308) ، وابن حبان في ((المجروحين)) (1/296) ، وابن عبد البر في ((الجامع)) (1/26) ، والخطيب في

((الفقيه والمتفقه)) (1/24) ، وفي ((التلخيص)) (2/643) ، والآجري في ((أخلاق العلماء)) (ص - 13) ، وابن عدي في ((الكامل)) (3/1004) ، وابن الجوزي في ((العلل)) (1/134) من طريق الوليد بن مسلم، ثنا روح بن جناح، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا به.
قال الترمذي: ((هذا حديث غريب)) . ... =

=وقال ابن الجوزي: ((هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمتهم برفعه روح بن جناح ... وهذا الحديث من كلام ابن عباس، إنما رفعه روح بن جناح، قصدا أو غلطا)) . أ. هـ‍وفي ((التهذيب)) (3/292 -293) : ((قال الساجي: هو حديث منكر)) .
قلت: وروح بن جناح ضعيف، اتهمه ابن حبان وأبو سعيد النقاش. وله طريق آخر عن ابن عباس موقوفا عليه.
أخرجه أبو الشيخ في ((الطبقات)) (1/459) ، وعنه أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (1/322) من طريق الزحاف بن أبي الزحاف الأصبهاني، قال: ثنا ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ((عالم أشد على إبليس من ألف عابد)) .
قلت: وهذا سند ضعيف.
أما الزحاف، فلا أعرف عن حاله شيئاً.
ثم ابن جريج مدلس، وقد عنعنه. ولا ينفعه ما رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في ((تاريخه)) ، قال: حدثنا إبراهيم بن عرعرة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج قال: ((إذا قلت: ((قال عطاء)) ، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعت)) .
ولكني رأيت شيخا - محدث العصر - ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى حكى هذا القول، في ثلاثة مواضع من كتبه، ثم تساءل: هل إذا قال ابن جريج: ((قال عطاء)) ؟؟ ثم رجح التساوي!! فقال في
((الصحيحة (4/ 352/ 1757) في حديث رواه ابن جريح، عن عطاء.
قال الشيخ: ((وابن جريج وإن كان مدلسا، فروايته عن عطاء محمولة على السماع، لقوله هو نفسه: إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت)) .
وكذا قال الشيخ- حفظه الله- في ((الصحيحة)) (1/52) وفي ((الإرواء)) (3/ 97) .
ولما التقيت بالشيخ - حفظه الله - في عمان، في المحرم سنة (1407) من الهجرة راجعته في هذا القول، فقال لي: إنه ما زال يرى صوابه؛ لأن ((قال)) تساوي ((عن)) عند غالب أهل العلم -
غير أن في قلبي شيئا من هذا القول، لأن المدلس إنما توزن أقواله وألفاظه. فابن جريج حدد كلمة بعينها، وجعلها كالسماع فيما يتصل بروايته عن عطاء وحده، فلا يجوز تسويتها مع غيرها في حق المدلس، وإن تساوت في المعنى اللغوي أو الإصلاحي، ولو شاء ابن جريج لقال: ((لو قلت: عن عطاء)) لاسيما والرواية بـ ((عن)) أكثر جدا من الرواية بـ ((قال)) ، ولذا أرى -والله أعلم - أن ابن جريج إن قال: ((عن عطاء)) فمن غير الممكن إن نجعلها سماعا. والعلم عند الله تعالى.
ثم وقفت على بعض الأحاديث التي أعلها شيخنا - وفقه الله ورعاه - بعنعنة ابن جريج، برغم أنه رواها ((عن)) عطاء.!
وانظر لذلك ((الصحيحة)) (رقم 229، 1692) . ... =
=وكذلك ((الضعيفة)) (رقم 160، 212، 258، 1009، 1184، 1387) وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((لكل شيء دعامة، ودعامة الإسلام الفقه في الدين، ولفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد)) .
أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (1/25) ، وابن الجوزي في ((العلل)) (1/135) من طريق ابن عدي، وهذا في ((الكامل)) (1/369) من طريق أبي الربيع السمان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
قال ابن عدي: ((وهذا الحديث لا أعلم رواه عن أبي الزناد، غير أبي الربيع السمان.
قلت: وأبو الربيع هذا، اسمه: أشعث بن سعيد، ضعفه ابن معين، وأحمد والنسائي، والبخاري. بل قال هشيم: ((كان يكذب)) وتركه الدارقطني.
وله طريق آخر عن أبي هريرة.
أخرجه الخطيب (2/402) ، وابن الجوزي في ((العلل)) (1/135) من طريق محمد بن عيسى قال: أنا عبد العزيز بن حاتم المعدل، حدثنا خلف بن يحيى، حدثنا إبراهيم بن محمد، عن صفوان بن سليم (عن سليمان) ابن يسار عن أبي هريرة مرفوع مثله.
قال ابن الجوزي: ((هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه خلف بن يحيى قال أبو حاتم الرازي: لا يشتغل بحديثهم. وأما إبراهيم بن محمد فمتروك)) .
قلت: وخلف بن يحيى كذبه أبو حاتم، وكذا شيخه: وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى شيخ الشافعي كذبه ابن معين وغيره وتركه أحمد والنسائي وجماعة والسند الساقط. وبالجملة فالحديث باطل. والله أعلم.

الصفحة 6