كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 2)

بِهِ وَأُجِيبَ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى تَتَبُّعِ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَإِسْرَارِهِ وَإِعْلَانِهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الدِّينَ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ

([782] بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ الله الرحمن الرحيم)
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثَ الْهِدَايَةِ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الْبَسْمَلَةِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ أَصْلًا إِلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
ثَانِيهَا أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ أَوْ بَعْضُ آيَةٍ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
ثَالِثُهَا أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِرَأْسِهَا وَلَيْسَتْ مِنَ السُّوَرِ بَلْ كُتِبَتْ فِي كُلِّ سُورَةٍ لِلْفَصْلِ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ آنِفًا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر أخرجه مسلم وعن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْرَجَهُ أبو داود والحاكم وهذا قول بن الْمُبَارَكِ وَدَاوُدُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ
وَعَنْ أَحْمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَالثَّانِي لَا فَرْقَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ فَعَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ تَجِبُ وَعَنْ مَالِكٍ يُكْرَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَحَبُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُسَنُّ الْجَهْرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسَنُّ وَعَنْ إِسْحَاقَ يُخَيَّرُ انْتَهَى كَلَامُهُ
(كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ فَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْفَاتِحَةِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الْفَاتِحَةَ فِي أَوَّلِهَا وَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ نَفَى قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بالحمد أنهم لم يقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سِرًّا
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي لَفْظِ حَدِيثِ أَنَسٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَفِي لَفْظِ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِي لَفْظِ فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ الله الرحمن

الصفحة 345